قد يفسِّر البعض الصّدق بأنَّه عكس الكذب، وأنَّك حتَّى تكونَ صادقاً يجب ألا تكون كاذباً ... قد تكون من وجهة نظر لغوية هذه العبارة صحيحةً، لكن إذا نظرنا لها من منظور شرعي، فإنَّ كلمة (الصدق) تحمل معنى أبعد من بكثير ..
فتارة تجد النَّص القرآني يتحدّث عن الصِّدق بصيغة وتارة بأخرى ، وكذلك الحديث النَّبوي الشَّريف .. فلا يعني بالضرورة أن الصِّدق – فقط – وسلم:الكذب، فقد يكون الرَّجل غير كاذب؛ إلاَّ أنَّه غير صادق أيضاً.
فالصِّدق أصناف : صدق بالقلب، وصدق باللسان، وصدق بالعمل ... ولذلك كان حديث النَّبي صلى الله عليه وسلم : ((صدق اللهَ فصدقه الله ..)) والصدق هنا هو صدق القلبوالسَّريرة.....
لما المسألة صدق ؟
هذا هو السُّؤال الذي قد يكون هو الأبرز في هذه المسألة ، لماذا الصدق ؟؟
إنَّ أحد المكوّنات الأساسية في شخصية المؤمن صديقاً ، كما هي العبادة وغض البصر وحفظ العهد، فحتَّى يكون المؤمن مؤمناً يجب عليه أن يصادقاً ....
عن عائشة عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((يعرف المؤمن بوقاره ولين كلامه وصدق حديثه)).
الصِّدق يهدي إلى الجنَّة
عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال : (( إنَّ الصِّدق يهدي إلى البر، و إنَّ البر يهدي إلى الجنَّة، وإنَّ الرَّجل ليصدق حتَّى يكتب عند الله صدِّيقاً، وإنَّ الكذب يهدي إلى الفجور، وإنَّ الفجور يهدي إلى النَّار، وإنَّ الرَّجل ليكذب حتَّى يكتب عند الله كذَّابا)) . متفق عليه.
يكفي المؤمن فخراً أن يكتب عند الله صادقا أو صديقاً ، وأصعب الصدق هو عند المحك، وكما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (( عليك بالصدق وإن قتلك)) ..
فالصِّدق منجاة ...
نَعَم، إنَّ الصِّدق منجاة، وقدفحسب،لظانون أنَّ الصِّدق قد يورد المهالك، لا، فإنَّ الله ينجي عباده بصدقهم، ويهلك آخرين بكذبهم، فالصِّدق أصعب ما يكون عندما يكون فيه إتلاف للنَّفس أو خسران للمال أو مغرم يعود به على صاحبه .. وهنا تكون قوة الإيمان وصلابته ..
وليس الصِّدقُ نطقاً باللِّسان فحسب ، فعند الشَّهادة يقسم المقسم على ما يلي : أقسم بالله العظيم أن أقول الحق، كلَّ الحق، ولا شيء غير الحق ... فاليمين هنا اشتمل على الصِّدق بجميع أركانه القوليخالفه،ول الحق أولاً، وقول الحق بأكمله أي عدم إخفاء أي شيء منه، ولا يقول غير الحق من كذب وباطل ..
الدَّاعية صادقٌ
لقد كان من غرائب أهل مكة أنَّهم كانوا يسمّون النَّبي بالصَّادق، إلاَّ أنَّهم عند دعوته كذَّبوه ، ولذلك لما حشدهم النَّبي وصعد على الصَّفا، ونادى بهم : (( لو أخبرتكم أنَّ خلف هذا الجبل جيش، فما تقولون : قالوا : صدقناك ، فما شهدنا عليك كذبا قط ..)).
من الجميل أن تكون هذه الشَّهادة من المخالِف لمن يخالفه ، إذا كان كفَّار قريش يشهدون للنَّبي محمَّد بصدقه فبعدها أصبحت كلّ دعاواهم باطلة ...
لذلك كان على الدَّاعية أن يكوعندهم.هله وأصدقائه صادقاً في كلِّيقول.ول .. كي يصبح على قدر عال من الثقة عندهم .. فثقة النَّاس أول مرسال للإيمان بفكرتك، ومن لم يكن صادقاً فقد سقط من أعين الناأجمعين. ..
ولذلك كانت أفضل الكلمات على الإطلاق هي كلمة حق في وجه سلطان ظالم.. أي مع وجود احتمالية تلف النفس، إلاَّ أنه لم يتراجع عن كلمة الحق، وهي كلمة الصِّدق فقال له يا ظالم فقتله بها فأصبح خير الشهداء عند الله..
وهذا هو الدَّاعية دائماً .. ولا يحق ولا يصح بالقدوة التَّرخّص ههنا ، فأحمد بن حنبل رضي الله عنه لم يأخذ بالرُّخصة في أوج محنته خوفاً من أن يضل أقوام كثر من بعده ، لذلك قال المُزَني رحمه الله: (عصم الله الأمة بأبي بكر يوم الردة وبأحمد بن حنبل يوم المحنة ).
وأخيراً وليس آخراً، على الدَّاعية دوماً أن يتذكَّر بأنَّ الصِّدق منجاة .. وأنَّه مهما شعر فيه بالضيق أو الظلم أو قرب الهلاك ، ليعلم أنَّه عند الله ارتفع مكانة ومنزلة ..
فمنزلة الصِّديقين من أعلى المراتب عند الله عزَّ وجل .