عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :
((... و ثلاث مهلكات : هوى متَّبع و شح مُطاع و إعجابُ المرء بنفسه)) .
من معاني ودلالات الحديث :
دلَّ هذا الحديث النبوي على ضرورة اجتناب ثلاث مهلكات تردي بصاحبها إلى الخسران المبين ,
وهي :
الأولى: (هوى متبع) :
الهوى: الهَوَى محبةُ الإِنسان الشيء وغَلَبَتُه على قلبه، قال الله عز وجل: ((ونَهى النفْسَ عن الهَوى))، معناه نَهاها عن شَهَواتِها وما تدعو إِليه من معاصي الله عز وجل.
ومن مفاسد اتباع الهوى:
المفسدة الأولى: أن يعلم أن الهوى ما خالط شيئا إلا أفسده فإن وقع في العلم أخرجه إلى البدعة والضلالة وصار صاحبه من جملة أهل الأهواء وإن وقع في الزهد أخرج صاحبه إلى الرياء ومخالفة السنة وإن وقع في الحكم أخرج صاحبه إلى الظلم وصده عن الحق وإن وقع في القسمة خرجت عن قسمة العدل إلى قسمة الجور وإن وقع في الولاية والعزل أخرج صاحبه إلى خيانة الله والمسلمين حيث يولي بهواه ويعزل بهواه وإن وقع في العبادة خرجت عن أن تكون طاعة وقربة فما قارن شيئا إلا أفسده.
الثانية: أن الله سبحانه وتعالى شبه أتباع الهوى بأخس الحيوانات صورة ومعنى فشبههم بالكلب تارة كقوله تعالى : {ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب}، وبالحمر تارة كقوله تعالى: {كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة}، وقلب صورهم إلى صورة القردة والخنازير تارة.
الثالثة: أن الله سبحانه وتعالى جعل متبع الهوى بمنزلة عابد الوثن، فقال تعالى: {أرأيت من اتخذ إلهه هواه} في موضعين من كتابه، قال الحسن: هو المنافق لا يهوى شيئا إلا ركبه. وقال أيضا: المنافق عبد هواه لا يهوى شيئا إلا فعله.
الرابعة: أنَّ الهوى داء ودواؤه مخالفته. قال بعض العارفين : (إن شئت أخبرتك بدائك وإن شئت أخبرتك بدوائك داؤك هواك ودواؤك ترك هواك ومخالفته).
الثانية : (وشح مطاع ) :
الشح: أشد البخل وهو أبلغ في المنع من البخل، وقيل هو البخل مع حرص، وقيل: البخل في أفراد الأمور وأحدها والشح عام، وقيل البخل بالمال والشح بالمال والمعروف.
والفرق بين الشح والبخل: أن الشح هو شدة الحرص على الشيء، والإحفاء في طلبه، والاستقصاء في تحصيله، وجشع النفس عليه، والبخل: منع إنفاقه بعد حصوله، وحبه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح، والشح يدعو إلى البخل، والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقى شره.
وقد ورد في ذم الشح: من الآيات:
- قوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم}.آل عمران
- قوله تعالى: { الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل} في موضعين من النساء والحديد.
- قوله تعالى: { هاأنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه والله الغني} سورة محمد.
- قوله تعالى: { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}. سورة الحشر.
قال ابن الأثير في (( النهاية )) : ( : هو أن يطيعه صاحبه في منع الحقوق التي أوجبها اللّه عليه في ماله يقال أطاعه يطيعه فهو مطيع وطاع له يطوع ويطيع فهو طائع أي أذعن وأقرّ والاسم الطاعة )
الثالثة :(وإعجاب المرء بنفسه ) :
قال القرطبي : وهو ملاحظة لها بعين الكمال والاستحسان مع نسيان منة اللّه فإن وقع على الغير واحتقره فهو الكبر قال الغزالي : أحذرك ثلاثاً من خبائث القلب هي الغالبة على متفقهة العصر وهي مهلكات وأمّهات لجملة من الخبائث سواها الحسد والرياء والعجب فاجتهد في تطهير قلبك منها فإن عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز ولا تظن أنه يسلم لك بنية صالحة في تعلم العلم وفي قلبك شيء من الحسد والرياء والعجب فأما الحسد فالحسود هو الذي ينشق عليه إنعام اللّه على عبد من عباده بمال أو علم أو محبة أو حظ حتى يحب زوالها عنه وإن لم يحصل له شيء فهو المعذب الذي لا يرحم فلا يزال في عذاب فالدنيا لا تخلو عن كثير من أقرانه فهو في عذاب في الدنيا إلى موته ولعذاب الآخرة أشد وأكبر وأما الهوى المتبع فهو طلبك المنزلة في قلوب الخلق لتنال الجاه والحشمة وفيه هلك أكثر الناس وأما العجب فهو الداء العضال وهو نظر العبد إلى نفسه بعين العز والاستعظام ونظره لغيره بعين الاحتقار وثمرته أن يقول أنا وأنا كما قال إبليس ونتيجته في المجالس التقدم والترفع وطلب التصدر وفي المحاورة الاستنكاف من أن يرد كلامه وذلك مهلك للنفس في الدنيا والآخرة قال الزمخشري : (الإعجاب هو فتنة العلماء وأعظم بها من فتنة) .