لقد بنى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الدولة الإسلامية على مبدأ الشورى، وعليه كان خلقه وخلق الراشدين من بعده، ذلك أنَّ مبدأ الشورى من أخطر المسائل في تسيير شؤون المسلمين انطلاقاً من الفرد نفسه مروراً بالأسرة والمجتمع وانتهاءً بالحاكم المسؤول عن الرَّعية، وبما أنَّ لنا القدوة الحسنة في رسول الله عليه الصلاة والسلام، نلقي الضوء على جوانب تطبيقه هذا المبدأ المهم، والذي نراه اليوم مغيَّباً في أسرنا ومجتمعاتنا:
1- في غزوة بدر: استـشــــار الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة في قتال قريش وذلك قبل بدء المعركة وهو في طـريقه إلى بدر، فتكلم كبار الصحابة كأبي بكر وعمر والمقداد بن الأسود وسعد بن معاذ وسُرّ الرسول صلى الله عليه وسلم من كلامهم وقال لهم: "سيروا وأبشروا".
2- غزوة أحد: استشار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أيخرج إلى قريش أم يمكث في المدينة ويقاتلهم في الطرقات، وكان رأيه ألا يخرجوا من المدينة، ولكن كثيراً من الصحابة وخاصة الشباب منهم ألحوا عليه في الخروج، فـعــزم على الخـــــروج والتقوا عند سفح أحد وبعد هذه الغزوة نزلت آية: {وشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} تأكيداً لمبدأ الشورى.
3- غزوة الخندق: لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسير الأحزاب إليه وتألبهم على المسلمين، استشار الصحابة، فأشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه بحفر الخندق وعندما بلغ الضيق بالمسلمين مــا بلغ أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم التخفيف عنهم، فعرض على رؤساء غطفان -وهــــم من الأحزاب- أن يعطيهم ثلث ثمار المدينة على أن ينصرفوا ويتركوا القتال، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة فقالا: يا رسول الله إن كـــان الله أمرك بهذا فسمعاً وطاعة، وإن كان شيئاً تصنعه لنا فلا حاجة لنا به، والله لا نعطيهم إلا السيف، فصوّب رأيهما.
4- غزوة بني المصطلق: في هـــذه الـغـزوة وقــــع حديث الإفك الذي تولى كبره زعيم المنافقين عبد الله بن أبي ابن سلول، وأبطأ الوحي فـي بـراءة عــائشة رضي الله عنها، فشاور الرسول صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب وأسامة بن زيد، فيما رمى أهل الإفك عائشة، فأما أسامة فأشار بالذي يعلم من براءة أهله، وأما علي فقال: لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير، واسأل الجارية تصدقك.
5- صلح الحديبية: عندما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قريشاً جمعت له الجموع وأنهم سيصدونه عن البيت وقد جاء معتمراً قال: أشيروا عليّ أيها الناس، أترون أن أميل إلى عيال وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟ فقال أبو بكر: يـا رســـــول الله خرجت عامداً لهذا البيت لا تريد قتل أحد ولا ضــــرب أحـد فتوجه له، فمن صدنا عنه قاتلناه، قال: فامضوا على اسم الله .
وعـندما تم الصلح على أن يرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذه السنة، أمـــــر الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابة بالنحر والحلق والتحلل من العمرة، فلم يقبل أحـــــد ما أمر به فدخل على أم سلمة وكلمها في ذلك، فأشارت عليه أن يخرج ولا يكلم أحداً، ويحلق ويذبح، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضاً.
إذا كان رســـــول الله صلى الله عليه وسلم وهو المسدّد بالوحي وهو من هو في كمال صفاته البشرية، يكثر من المشاورة في الأمور العامة فيما لا وحي فيه وفي الأمور الخاصة، فالعجب ممن يجعل الشورى من المندوبات إن شاء أقامها الحاكم وإن شاء تركها.
فإذا كان رســـــول الله صلى الله عليه وسلم وهو المسدّد بالوحي المبلّغ عن الله شرائعه ودينه، وهو من هو في كمال صفاته البشرية، ومع ذلك يكثر من المشاورة في الأمور العامة - فيما لا وحي فيه - وفي الأمور الخاصة، فالعجب ممن يجعل الشورى من المندوبات إن شاء أقامها الحاكم وإن شاء تركها، وهذا في الاستشارة فقط، فكيف يتكلم عن الإلزام بها، وكيف يستقيم حال أمَّة تحب الاستبداد؟!