من السنن المؤكدة التي كانت فاشية في عهد النبوة والخلفاء الراشدين؛ إفشاء السَّلام، ذلك أنه من أسباب تحقيق الحب والتآلف بين أفراد الأسرة والمجتمع ، قال الله تعالى : {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} : [86]
تدعو الآية الكريمة المؤمنين إلى أن يردوا التحية على من يحيونهم، وأن يفشوا هذه التحية بينهم ، لأن إفشاءها يؤدى إلى توثيق علاقات المحبة والمودة بين المسلمين .
فالإسلام جاء بتحيته الخاصة، التي تميز المجتمع المسلم؛ وتجعل كل سمة فيه - حتى السمات اليومية العادية - متفردة متميزة؛ لا تضيع في سمات المجتمعات الأخرى ومعالمها، حتَّى إنَّ اليهود يحسدون المسلمين على هذا الأدب الرفيع، أخرج أحمد وابن ماجه والبيهقي في سننه عن عائشة عن النَّبي صلَّى الله عليه و سلم قال : ((ما حسدتكم اليهود على شيء ما حسدتكم على التأمين)).
جعل الإسلام تحيته : ( السلام عليكم )، أو ( السَّلام عليكم ورحمة الله)، أو (السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
والرَّد عليها بأحسن منها - بالزيادة على كل منها ما عدا الثالثة، فلم تبق زيادة لمستزيد - فالرَّد على الأولى: ( وعليكم السلام ورحمة الله )، والرد على الثانية : ( وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ) . والرَّد على الثالثة: ( وعليكم . . ) إذ أنَّها استوفت كل الزيادات، فترد بمثلها . . . وهكذا روي عن النَّبي صلى الله عليه وسلَّم . .
إنَّ إفشاء السَّلام، والرَّد على التَّحية بأحسن منها، من خير الوسائل لإنشاء علاقات المودة والقربى بين أفراد المجتمع الإسلامي،
وقد ورد في الحض على إفشاء السَّلام أحاديث كثيرة منها :
ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : (( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا . ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم )) .
ومنها : عن عبد الله بن سلام - رَضِي اللّهُ عَنْهُ - قال : قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم : (( أَيُّهَا النَّاسُ ! أَفْشُوا السَّلامَ ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ )). قال الترمذيّ : (حديث صحيح) .
وورد في فضل إفشاء السَّلام :
روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذيّ والدَّارمي عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِي اللّهُ عَنْهُ : جَاءَ رَجُل إِلَى النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ . فَقَالَ النَّبِيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( عَشْرٌ )) .
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((عِشْرُونَ )) . ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (( ثَلاَثُونَ)).
وروى البزَّار عن عُمَر بن الخطاب قال : قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم : ((إذا التقى الرجلان المسلمان فسلَّم أحدهما على صاحبه، فإن أحبهما إلى الله أحسنهما بشراً لصاحبه، فإذا تصافحا نزلت عليهما مئة رحمة : للبادئ منهما تسعون، وللمصافح عشرة )) .وروى أبو داود عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم : (( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ بِالسَّلاَمِ )).
ومن أحكام إفشاء السَّلام :
روى الشيخان عن أبي هريرة أنَّ الرَّسول صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال : (( يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ ، وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ )) .
وروى أبو داود عن أبي هريرة عن رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم قال : (( إِذَا لَقِي أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَتْ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ )).
وروى الشيخان عن أنس : أنه مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالَ : (كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ).
وروى الشيخان عن أنس قال : قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم : (( إِذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ )) .
وروى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم : (( لَا تَبْدَءُوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى بِالسَّلامِ، فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ )).
قال الحسن البصري : (السلام تطوّع والرد فريضة ) .
قال ابن كثير : وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة : أنَّ الرَّد واجب على من سلّم عليه، فيأثم إن لم يفعل، لأنه خالف أمر الله في قوله : { فَحَيّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدّوهَا }.
وفي ترك الرَّد إهانة وازدراء وهو حرام، ولذا ندب للجمع المسلم عليهم أن يجيبوا كلهم إظهاراً للإكرام ومبالغة فيه، وإن كان الفرض يسقط ببعضهم .
ومن أنبياء الله سلام :
قال تعالى في حق نوح : { يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍٍ مِنّا } [ هود : 48 ] ، وقال عن الخليل : { قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبّي } [ مريم : 47 ] ، وقال في قصة لوط : { قَالُوا سَلاماً قَالَ سَلام } [ هود : 69 ] ، وقال عن يحيى : { وَسَلامٌ عَلَيْه } [ مريم : 15 ] ، وقال عن محمد صَلّى اللهُ عليّه وسلّم : { قُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الّذِينَ اصْطَفَى } [ النمل : 59 ] وقال عن الملائكة : { وَالملائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلّ بَابٍٍ } [ الرعد : 23 ] : { سَلامٌ عَلَيْكُمْ } [ الرعد : 24 ] ، وقال عن نفسه المقدسة : { سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبّ رَحِيمٍٍ } [ يس : 58 ] ، وقال : { فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ } [ الأنعام : 54 ] ، وأما بالألف واللام فقوله عن موسى عليه السلام : { فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرائيلَ وَلا تُعَذّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍٍ مِنْ رَبّكَ وَالسّلامُ عَلَى مَنِ اتّبَعَ الْهُدَى } [ طه : 47 ] ، وقال عن عيسى عليه السلام : و : { وَالسّلامُ عليّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } [ مريم : 33 ] .
وبعد، فلنحي محبتنا، ولنزرع الابتسامة في قلوبنا، بإحياء سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في إفشاء السَّلام على من عرفنا ومن لم نعرف، فإفشاء السَّلام، سلام في الدنيا وسلام في الآخرة، فأفشوا السلام تسلموا، ففي الحديث الحسن؛عن البراء عن النبي صلَّى الله عليه و سلَّم قال : ((أفشوا السلام تسلموا))، فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.