توحيد الله أساس البناء الإسلامي

الرئيسية » بصائر التوحيد » توحيد الله أساس البناء الإسلامي
alt

إنَّ الناظر في القرآن الكريم ليجد أن أعظم ما اهتمت به نصوصه قضية توحيد الله تعالى توحيداً كاملاً خالصاً من الشرك في جميع صوره، وقد بيَّنت النصوص أنَّ التوحيد يتناول ثلاثَ مسائل أساسية :

1- توحيد الله تعالى في ربوبيته وأنه تعالى وحده الخالق المالك المدبر للكون وشؤونه .
2- توحيده تعالى – ترتيبا على ما سبق – في صفاته التي تجب له وتليق بعظمته وجلاله، وكذلك توحيده في أسمائه التي سمَّى بها نفسه من أسماء حسنى تتضمَّن كماله وجلاله .
3- إفراده تعالى بالعبادة حتى لا يتخذ معبودا سواه بأي وجه من وجوه العبادة.

أسباب التركيز على عقيدة التوحيد :
تعدُّ عقيدة التوحيد هي الأساس الفاصل بين الإيمان والشرك أو الكفر.
ولما كان البناء الإسلامي كله يقوم عليها، فقد عني القرآن الكريم والرسول صلَّى الله عليه وسلَّم بتأسيس ذلك وتوضيحه غاية التوضيح .
كانت المجتمعات البشرية قد اعترى تصورها لله الخالق انحراف كبير سببه التحريف الذي حدث للديانات السابقة مما فتح الباب أمام الانحرافات والتخيلات الفاسدة في العقيدة الإلهية، فأصبح الناس بين طرفي نقيض:

 

الطرف الأول: قوم غلوا بعقولهم فجعلوا إلههم صورة خيالية تجريدية لا محل لها من الواقع، فكان الإله عندهم صورة ذهنية مجرّدة.

 

الطرف الثاني: قوم فرَّطوا في إلههم فشبهوه بالمخلوق، ووصفوه بصفات المخلوق من حيث التعدّد واتخاذ الولد والتجسيد، وكونه يعتريه ما يعتري البشر من الآفات والنقائص، وأنه يمكن أن يخفى عليه شيء من الخلق.

المسألة الأولى: توحيده تعالى في ربوبيته خلقاً وملكاً وتدبيراً
بيَّن القرآن الكريم بأن الله تعالى هو وحده الخالق لهذا الكون بكل ما فيه بلا شريك ولامعين له في ذلك. فالله تعالى أوجده من العدم, ووضع له النواميس التي يسير عليها، وخلق فيه المخلوقات المختلفة التي تعيش فيه. ولأنه تعالى المتفرد بخلقه, فهو كذلك المتفرد بملكه لكل ما في الكون, وليس لسواه ملك على أي شيء أصالة, كما أنه تعالى هو المتصرف المدبر للكون. وقد جعل الله تعالى آياته في الكون وانتظام أمره ونفاذ قدرته أدلة على وجوده وتفرده وعظيم سلطانه وقدرته, ذلك أن البشر جميعا -إلا من شذ منهم- يقرون بأن الله تعالى هو الخالق لهذا الكون المالك له والمدبر لأمره، قال تعالى : {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله } .
والإيمان بالربوبية يزيد النفس خشوعا ورهبة, لأن الإنسان ضعيف بطبعه وخلقته, فإذا ظهرت قوة خارقة وقف أمامها مبهوراً كما قال الله تعالى : {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون} .

 

المسألة الثانية: إفراد لله تعالى في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله
ذات الله تعالى :  
إنَّ لله تعالى في العقيدة الإسلامية ذاتاً متميزة مستقلة، لها وجود حقيقي لا خيالي، إلا إنها ذات لا تشبه ذوات المخلوقين لا من حيث الوجود ولا من حيث الصفات. فوجود الله تعالى وجود كامل لم يسبق بعدم ولا يدركه فناء ولا عدم، فهو الأول وليس قبله شيء، كما أنه الآخر وليس بعده شيء. ولما كانت هذه الذات بالحال التي ذكرنا, فإن العقل البشري يستحيل عليه إدراك كنه هذه الذات, لأنه لا يتصور إلا الأشياء التي تدركها حواسه المحددة. فذات الله تعالى جلت عن أن تدركها البصائر النافذة فضلا عن الأبصار، وعظمت عن أن تتوهمها الظنون أو تتصورها الأفكار.

 

صفات الله تعالى وأسمائه :
لما كانت ذات الله تعالى مما تعجز الإفهام عن إدراكها، وتحار العقول في بلوغ فهمها لمخالفتها لسائر المخلوقات، كان السبيل إلى التعريف بها هو التعريف بصفاته تعالى. وقد سلك القرآن الكريم ذلك المنهج, وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم. فقد اتخذ القرآن الكريم في التعريف بالله تعالى منهج الاستدلال بالشاهد الموجود على الغائب. فجعل آياته الكونية الدالة على عظمته وجلاله وفائق قدرته وسلطانه منطلقا لبيان صفاته وأسمائه المتضمنة لكماله وجلاله. فالناظر في صنعة يستدل بها على كثير من صفات صانعها. لذا نجد أن القرآن كثيرا ما يضرب الأمثال للناس, مع أنه جعل قاعدة عامة لذلك تفيد نفي المماثلة والمشابهة بين الخالق والمخلوق كما في قوله تعالى : {ولله المثل الأعلى}  وقوله : {ليس كمثله شيء} .
فكل ذات من الذوات لابد لها من صفات تتصف بها. و إذا كان الإنسان يتصف بصفات هي في حقه صفات كمال كالعلم والسمع والبصر والعدل والإرادة والحكمة وكل صفات الكمال، فالله تعالى أولى بذلك وأعلى، مع العلم بالفارق التام بين صفات الخالق وصفات المخلوق. ومن أسماء الله تعالى وصفاته التي وردت بها النصوص :
قوله تعالى : { هو الذي لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم. هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون. هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم} .

 

فوائد التعريف بالصفات : 
1- تنزيه الله تعالى عن مشابهة الخلق كما قال الله تعالى : { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} .  وقوله : {ولم يكن له كفوا أحد} . 
2- تعريف الخلق بربهم و إلههم حتى يعبدوه حق عبادته بناءا على معرفتهم به، لأن كمال العبادة يكون بكمال المعرفة كما قال الله تعالى : {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} .
3- قطع الطمع عن إدراك كيفية تلك الصفات، كما قال الله تعالى : { ولا يحيطون به علما} . 
أفعال الله تعالى :- 
أفعال الله تعالى تقوم على كمال القدرة وتمام العلم المحيط بكل شيء، فالله تعالى لما كان متفردا في ذاته وصفاته, استلزم ذلك أن يكون متفردا في أفعاله، فلا يشبهه أحد من خلقه في فعل من أفعاله.لذا نجد أن الله تعالى كثيرا ما تحدى البشر بأن يأتوا بشيء من أفعاله, فقد تحداهم بأن يخلقوا ذبابة, أو ينزلوا ولو أقصر سورة من القرآن, ولكن هيهات أن يقدر على شيء من ذلك أحد في اللاحق وقد عجز عنه السابقون.
قال الله تعالى : { يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب } .
وقال تعالى : {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين} . 

المسألة الثالثة: إفراد الله تعالى بالعبادة حتى لا يتخذ إله غيره بأي وجه من الوجوه المقتضية للعبادة:
وهذه قضية جوهرية من قضايا التوحيد, بل هي الركن الأساسي الذي تقتضيه عقيدة التوحيد الإسلامية المتقرِّرة في كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) أي لا معبود بحق إلا الله. فهذه هي الكلمة الفاصلة بين عقيدة التوحيد في الإسلام وغيرها من العقائد الأخرى. فلما كان الله تعالى متفردا في ذاته وصفاته وأفعاله, وكانت النفوس مفطورة على اتخاذ إله تعبده وتعظمه، كان الله تعالى هو المعبود بحق, والمستحق الوحيد لهذه العبادة مهما تعددت الآلهة المتخذة.
بل إنَّ المتقرر حتى لدى كثير من المشركين المتخذين لأكثر من إله أنهم يعتقدون بأن هناك إله واحد يسيطر على جميع الآلهة الأخرى، وأنه هو عظيمها و إمامها, وأن ما دونه وسيلة إليه.ومن النصوص في ذلك قوله تعالى: {والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى} .
وقال تعالى: { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون} .

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

نِعْمَ العبدُ .. إنَّه أوَّاب

قال الرَّاغب في مفردات ألفاظ القرآن : (الأوبُ ضربٌ من الرُّجوع، وذلك أنَّ الأوب لا …