يقول تعالى في كتابه الكريم: { ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين }
فيا ربِّي لك الحمد أن أكرمتنا بالإسلام، ويا ربِّي لك الحمد أن شرفتنا بأن نكون من أهل دعوتك في زمن قلّ فيه العاملون وكثُر فيه القاعدون.
فيا من أكرمكِ الله بهذا الشَّرف العظيم، شرف الدعوة إلى الله، هل أديتِ شكر هذه النعمة؟! كي يديمها الله عليك ويحفظها من الزَّوال؟! وهل تعلمين كيف يكون شكرها؟!
فلتعلمي إذاً أخية الإيمان أنَّ شكر هذه النعمة يكون بحمد الله والثناء عليه ابتداءً، ثم الاستشعار بعِظم هذه النِّعمة التي حُرم منها الكثيرون وشرفكِ الله بها، ولكن هل يكفي هذا القدر من الشكر؟! أبداً واللهِ، فقد بقي القدر الأكبر وهو شكر الجوارح، بأن تضاغفي كل جهدك في نشر هذه الدعوة، وتبذلين الغالي والنفيس لأجلها، وتضحين بالراحة والوقت والمال، فلا يهدأ لك بال، ولا تفتر لك عزيمة، ولا تقرّ لك عين حتَّى تلقين الله وهو راضٍ عنك.
هذا النَّهج الذي يريده الله منكِ، نهج التضحية والبذل، فقد قال تعالى: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدو بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون، أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}.
وهو النهج الذي سار عليه نبيّنا وحبيبنا محمَّد وصحابته الكرام، فكم قدَّموا للدين من تضحيات، حتَّى وصل نوره الطَّاهر إلينا، وهو نهج الدعاة المخلصين على مر الأزمان، فقد قال الإمام البنا - رحمه الله- : (لقد قام هذا الدين بجهاد أسلافكم على دعائم قوية من الإيمان بالله، والزَّهادة في متعة الحياة الفانية أو إيتاء الخلود.. والتَّضحية بالدَّم والرُّوح والمال في سبيل مناصرة الحق، وحب الموت في سبيل الله، والسير في ذلك كله على هدى القرآن الكريم، فعلى هذه الدعائم القوية أسسِوا نهضتكم وأصلِحوا نفوسكم وركِّزوا دعوتكم وقودوا الأمة إلى الخير، والله معكم ولن يتركم أعمالك).
نعم أختي، إنَّ للانتماء للدعوة تبعات، فلا قيمة للمبادئ والشعارات إن لم تطبق، ولن تحيا دعوتنا ولن تصل لغايتها أبداً إن لم تجد من يضحي في سبيلها وهو لا ينتظر جزاءً من أحد إلاَّ رضا الله سبحانه وتعالى، فإن وجدت من يضحِّي كان هذا تقدماً في طريق النَّصر والوصول للغاية العظمى، إن شاء الله.
ومن العجب أننا نرى أصحاب المبادئ الوضعية والأفكار الدنيوية يضحون في سبيلها ويبذلون ما يبذلون ويقيمون الحروب، فكيف بنا نحن إذاً؟! يا من هتفنا: الله غايتنا و........ والموت في سبيل الله أسمى أمانينا؟! ووالله لو أردنا وضحينا لحقَّقنا ما نصبو إليه وكنّا ممن قيل فيهم: (إنّ لله عباداً إذا أرادو أراد الله).
وللشهيد سيد قطب في هذا مقولة عجيبة، حيث قال رحمه الله: (إذا وُجد الجهد للدين خرج من بيوت الفُجّار والفُسّاق علماء وأحرار، وإذا غاب الجهد للدين خرج من بيوت العلماء والأحرار فُجّار وفُسّاق).
فاحذري أخيتي أن تكونين ممَّن يعيق النصر بقلة تضحيته، وممن لا تتقدم الدعوة بسببه، واحذري أن تكونين ممن قال فيهم الله في كتابه : {إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شيء قدير}.
واحرصي أن تكوني ممن قال فيهم:
{رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}.
وممَّا يندرج تحت مفهوم التَّضحية إضافة لبذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شيء، والتي قد يغفل عنه الكثير من الدعاة: هو التنازل ولين الجانب لرفقاء طريق الدَّعوة، وتحمّل عثراتهم وزلاتهم وهفواتهم وعدم تضخيمها، وأن لا نجعل الشَّيطان يضخمها ويودي بنا للمشاحنات والمباغضات والعياذ بالله، فهذا يؤدِّي إلى ضعف في الصَّف الدَّعوي وتخلخل في قواه، وهذا النَّوع من التضحية هو أصعبها وأشدها على النفس، فتخلي النفس عن غطرستها وتمسكها برأيها ورغبتها في الإنتصار أمرٌ صعبٌ للغاية.
وللشَّخصية المضحية ملامح وسمات حدَّدها الإمام حسن البنا –رحمه الله- بوصف دقيق بديع فقد قال رحمه الله:
(أستطيع أن أتصوَّر المجاهد شخصاً قد أعدَّ عدته، وأخذ أهبته، وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحي نفسه وجوانب قلبه، فهو دائم التفكير عظيم الاهتمام على قدر الاستعداد أبداً، إن دعي أجاب وإن نودي لبَّى، غدوه ورواحه وحديثه وكلامه وجده ولعبه لا يتعدَّى الميدان الذي أعدّ نفسه له، ولا يتناول سوى المهمَّة التي وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد في سبيلها، تقرأ في قسمات وجهه وترى في بريق عينيه وتسمع في فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم في قلبه من جوىَ لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزيمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة).
نسأل الله أن نكون جميعاً منهم،، اللَّهم آمين
ولتتذكري دائماً:
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعي مع الهمل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع للاستزادة :
- ماذا يعني انتمائي للدعوة؟ - محمد عبده
- التضحية والفداء في الإسلام - جمعة أمين