الذَّكاء الاجتماعي

الرئيسية » خواطر تربوية » الذَّكاء الاجتماعي
online-community

الإنسان مدني بطبعه، وحياته ما هي إلاَّ شبكة من العلاقات المتنوعة الأشكال، تبدأ أولى هذه العلاقات مع العائلة منذ أيامه الأولى، ثم تمتد وتكبر، وتخرج عن نطاق العائلة لتصل إلى المحيط القريب من جيران وأصدقاء، وتمتد وتمتد إلى أن وصلت في عالمنا الآن إلى أقصى بقاع الأرض، فنرى العلاقات والصداقات قد تجاوزت كل حدود الدول، بل حدود القارات.

وفي زمنٍ أصبحت فيه الماديات تسيطر على سير حياتنا، وطغت على الجانب الإنساني والاجتماعي فيها، كان لزاماً علينا أن نذكّر الإنسان بأصله الذي فُطر عليه، ونعلمه وندربه حتى يعيش حياةً هانئة ناجحة مع نفسه أولاً ثم مع من حوله، كما ينبغي له أن يكون.

ولنبدأ أختي الحبيبة بتعريف الذكاء الاجتماعي الذي هو: القدرة على فهم الآخرين، وما يحرِّكهم، وكيف نتعاون معهم.
ونحن نريد أن نتجاوز قصر هذا المفهوم على المجاملات الاجتماعية التي تعودنا عليها كـ (شكراً)، و(لو سمحت) وغيرها التي تعد من الذوقيات، وإنَّما نتعداها إلى أن نتقن التعامل مع من حولنا بمهارة بالغة والتأثير بهم وكسب ودهم وتعاونهم بطريقة رائعة، فإن وصلنا إلى مبتغانا نكون قد حقَّقنا تقدماً حقيقياً في حياة مجتمعنا، ودفعناه للأمام في عجلة التطوّر والتقدّم.

وسيرة حبيبنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم زاخرة بالمواقف التي تؤصل لحياة اجتماعية أرقى ممَّا تطمح وتسعى إليه البشرية الآن، كيف لا والإسلام دين الفطرة وشريعة تنظم حياة البشر من عند خالقهم ومدبر أمورهم، قال الله تعالى: {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}.

فكلنا قرأ وتعلم من الحبيب:
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)).
و((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).
و((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم)).
و((أحب النَّاس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحبّ إليّ من أن اعتكف في المسجد شهراً..)).

وهناك عناصر جوهرية يجب أن تتوفر في الشَّخص الذكي اجتماعياً، وهي:

أولاً: قراءة المواقف والمشاهد الاجتماعية قراءة صحيحة واعية، فهو مشهود له بالحكمة والاتزان وحسن التدبير والتقدير.

ثانياً: الحضور والتَّأثير: حضوره النفسي والجسدي، أي: أن ملامحه وتعابير وجهه وابتسامته ومظهره ومدى انجذابه للمتكلم واستيعابه لكلامه، كلّها تشكِّل عند الآخر انطباعاً تقيمياً يجب أن يكون محبّباً.

ثالثاً: الوضوح وفهم الذات: ويقصد بها القدرة على إيصال أفكاره وصياغة آرائه بأسلوب واضح وسلس، يتناسب مع الآخر ويفهمه باختلاف طبيعته ومستواه.

رابعاً: التعاطف: وهو هنا يتجاوز الشُّعور بالشفقة تجاه الآخر، بل يتعداه إلى الإحساس الصادق به، وتقدير دوافعه، ودعمه روحياً.
ومن دون هذه العناصر يفقد الإنسان كثيراً من إيجابيته وقدرته في التأثير على الآخرين، وبالتالي يقلل التعاون بينه وبين من هم حوله.
ومن الجدير بالذكر والأهمية، أنَّ الذَّكاء الاجتماعي هو مهارة مكتسبة يمكن تنميتها وتطويرها لأيٍّ منَّا، وليس من الصَّحيح أبداً الادِّعاء أنَّها خلقت مع الإنسان، ومن يفتقدها لا يملك أن يكتسبها الآن.

وكل ما يلزمنا للتغيير هي النية الصَّادقة والمعونة من الله، ومن ثم نبدأ بتغيير سلوكنا، ونتعلم المهارات الخاصة التي تساعدنا على أن نكون ناجحين اجتماعياً، بل أذكياء.

 

------------------------------------------------------

مراجع للاستزادة:
-    أفكار صغيرة لحياة كبيرة -  كريم الشاذلي
-    الذكاء الاجتماعي - كارل ألبريخت

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …