الإيجابية من المفاهيم التي ربما تغيب عن كثير من الناس، لأنَّ البعض قد يتعامل مع دعوته وفق روتين معين، أو يعدُّ نفسه منفذاً دون أن يكون إيجابياً لهذه الدعوة فيبادر بالتطوير والرقي وسد الخلل في التطبيق.
إن الإيجابية هي وقود الدفع لأي دعوة تريد أن تتطور وتتقدم، وهي الحقيقة التي يريدها الإسلام من الفرد المسلم الغيور الواعي.
ولهذا نجد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فهموا أن الدعوة ليست منصباً تشريفياً فقط، وليس صاحبها مجرد رجل ينفذ ما تملى عليه من أوامر دون أن يبتكر ويبدع لحماية مصالح دعوته.
ولهذا فإذا قرأنا كتب السيرة نجد الإيجابية تتجلى بأروع صورها في فعل صحابتنا رضوان الله عليهم، وهنا أشير إلى بعض هذه المواقف والنماذج الرائعة.
1- فهذا أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – لم يكتف بأن يكون أول المسلمين وينال شرف الأسبقية، بل كان ممن بادروا وساعدوا على تقوية صفوف الدعوة ودعمها بالأشخاص المخلصين منهم ستة من العشرة المبشرين بالجنة.
إن الإيجابية حينما تفقد من حياة الداعية تجعل منه موظفاً مهملاً، لا يقوم إلا بما يأمره به سيده، فيقوم بتكاسل وملل، وربما يتمنى أن يحمل غيره عنه أعباء هذا الأمر أو ذاك.
2- وهذا أبو ذر الغفاري -رضي الله عنه - لما أسلم أمام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أرشده أن يعود لقبيلته، أراد أن يصدح بصوت الحق أمام طواغيت الكفر، فقال رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم. فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه) (متفق عليه). وكان بإمكان أبي ذر أن يسلم ثم يعود سراً وخفية لقبيلته، إلا أنه أصر على أن يكون واحداً من المبادرين لخدمة دعوته ورفع رايتها، حتى لو لاقى من الأذى ما لا تطيقه النفوس والأبدان.
3- وكذلك كان موقف ثمامة بن أثال، فبعد أن أسلم رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي. والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك، فأصبح دينك أحب الدين إلي. والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد إلي). ولم يكتف ثمامة رضي الله عنه بمدح النبي صلى الله عليه وسلم ودينه ودولته، أو بالدعوة له بالنصر وإطلاق شعارات التأييد والتشجيع. بل حينما (قدم مكة قال له قائل صبوت. قال لا، ولكن أسلمت مع محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي - صلى الله عليه وسلم). (متفق عليه).
وهنا يقوم ثمامة رضي الله عنه، بمبادرة إيجابية لتقوية الدعوة وتحقيق السمو والرفعة لها، وهذا بلا شك هو أعلى مراتب الإيجابية وعلو الهمة الذي كان يتمتع به ثمامة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم جميعا.
إن الإيجابية حينما تفقد من حياة الداعية تجعل منه موظفاً مهملاً، لا يقوم إلا بما يأمره به سيده، فيقوم بتكاسل وملل، وربما يتمنى أن يحمل غيره عنه أعباء هذا الأمر أو ذاك.
إن الداعية الإيجابي حينما يحرص على دعوته كحرصه على نفسه، فإن دعوته ستكون أكثر قوة وتماسكاً، وستكون سبل الوصول للغاية أكثر وضوحاً واختصاراً ونجاحاً.
ولهذا حري بأصحاب الدعوة أن يكونوا إيجابيين في نظرتهم ودعوتهم، لأن ما يقدمونه من مبادرات وأفعال فإنها بلا شك سترتقي بدعوتهم وتزيدها شموخاً وعلواً وتمكيناً.