هذه القصة - كما نقلها الدكتور صفوت حجازي قبل أعوام عبر الفضائيات- تدور أحداثها في فرنسا منذ أكثر من خمسين سنة، وهي تحكي قصة طفل يهودي صغير مع رجل تركي كبير ..
تبدأ القصة من الغلام اليهودي، وكان اسمه (جاد) كان يشتري حاجيات منزله من دكان العم إبراهيم، ذلك الرجل الخمسيني التركي، وكان في كل يوم يستغفل هذه الغلام ذلك الكهل، ويسرق من دكانه حبَّة من الشوكولاته، وفي يوم من الأيام، نسي هذا الغلام أن يأخذ تلك الحبة كالمعتاد، وعندما أدار ظهره للخروج من الدكان ناداه العم إبراهيم ملوّحاً له بحبَّة شوكولاته، قائلا له : جاد، لقد نسيت هذه ..
هنا شعر جاد بالندم كثيراً، وبصغر الموقف أمام هذا الرجل الكبير في سنّه والكبير في تصرفه، وعاد إليه يستسمحه، نادماً على ما جرى واعداً إياه أن لا يسرق من دكانه مرَّة أخرى، فيوافق العم إبراهيم على أن يسامحه، لكن بشرط أن لا يسرق منه، ولا من غيره مرة أخرى ..
ويحب هذا الولد العم إبراهيم، ويأتيه دوماً ليجلس عنده ساعات في الدكان يتحدثان، وكلَّما حصلت مشكلة مع جاد كان يأتي للعم إبراهيم ليطرحها عليه، فيخرج العم إبراهيم من صندوق عنده كتاباً كتب باللغة العربية، فيناوله لجاد ليفتحه وبشكل عشوائي، فيقرأ العم إبراهيم منه الصفحتين المتقابلتين، ومن ثم يعطي الحل لهذا الغلام، لتستمر هذه العلاقة سبعة عشر سنةً، اعتبر فيها جاد العمَّ إبراهيم كوالد، أو أم، أو أخ، أو صديق، أو أقرب من ذلك ..
وقد أصبح عمر جاد الآن أربعة وعشرين عاماً، ويدخل بيته ذات يوم، ليتفاجأ بأهله يخبرونه بأنَّ العم إبراهيم قد مات، وأنَّه قد ترك له صندوقا، فلا يستطيع جاد أن يتحمَّل الموقف، فيخرج من البيت باكياً هائماً على وجهه، وتسوّد الدنيا في وجه هذا الشاب، وتتوالى المشاكل الحياتية عنده، ولا يجد لها حلا، وما أن يخرج من مشكلة حتى يقع في أخرى، لتأتي عليه مشكلة لا يجد أمامها حلا، وقد أشغلته كثيراً وجلس يفكر ويفكر، ويقول في نفسه : لو كان العم إبراهيم موجوداً الآن لوجدت الحل عنده، ويتذكر ذلك الكتاب وذلك الصندوق، ففطن للصندوق الذي تركه له العم إبراهيم، والذي لم يفتحه بعد، ليتوجه إلى البيت فيبحث عنه ، فيأخذه ويجد فيه ذلك الكتاب الذي كان يقرأ منه دوما العم إبراهيم، ففتحه ووجده قد كتب باللغة العربية، فأخذه لصديق تونسي وعرضه عليه، فقرأ منه التونسي بعدما أخبره جاد بمشكلته، ليجد الحل في هذا الكتاب، فسأل صديقه التونسي عن هذا الكتاب وسرّه، فأخبره بأنَّ هذا الكتاب هو القرآن الكريم، وهو كتاب المسلمين، فسأله كيف يصبح الرجل مسلماً، فعلَّمه النطق بالشهادتين، فاعتنق جاد الإسلام ... وسمَّى نفسه (جاد الله القرآني) ..
لاحظ جاد الله أنَّ العم إبراهيم لم ينهره في حياته، ولم يناده يا يهودي أو يا كافر طوال هذه السبعة عشر عاماً، واعتبره كأسلوب دعوي امتاز به العم إبراهيم، فأخذ على عاتقه أن ينشر هذا الدين، فبدأ بالدعوة في فرنسا، حيث أسلم على يديه هناك أكثر من ستة آلاف رجل، وبينما هو يقرأ في المصحف ذات يوم، إذ وجد على دفته صورة لخارطة إفريقية، قد كتب العم إبراهيم تحتها : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة } سورة النحل 125.
فعرف جاد الله بأنها رسلة من العم إبراهيم ليدعو إلى الله في إفريقيا ... وشدّ أحزمته وتوجه إلى إفريقيا .. عند قبائل ( الزولو ) .
وهناك اعتنق الإسلام على يديه أكثر من ستة ملايين شخص .. ولكثرة الأمراض هناك، يموت جاد الله القرآني بعد مسيرة ثلاثين عاماً من الدعوة إلى الإسلام وكان ذلك عام 2003 م .
وكان الشيء الغريب أنَّ أمه والتي كانت مدرسة في جامعة في فرنسا متعلّقة جدّاً بالديانة اليهودية ومتعصبة لها، وبقيت تحارب ابنها وتحاول ردعه طوال هذه الثلاثين عاماً، وهو لا يستجيب لدعوتها، بل كان دوماً يحاول أن يدعوها للإسلام، ويشاء الله لها أن تسلم، لكن بعد وفاة جاد الله القرآني بعامين اثنين، أي: عام 2005 م، كما ذكر الدكتور ..
القصة تحت المجهر :
بعد انتهاء سرد القصة، كما وردت لوحظت بعض الملاحظات الجديرة بالانتباه والنظر إليها جيّداً، وهي تفيد الناس عموما والدعاة خصوصاً :
1. أنَّ العم إبراهيم لم يجتهد على دعوة جاد الله بشك مباشر، بل استخدم وسيلة الدعوة بالقدوة، أو بالموقف، ولا ننسى إنَّ الإسلام دخل كثيراً من البلدان عبر السلوك الخلقي أكثر من الدعوة الإعلامية أو الفتح، وممَّا ينبغي على الداعية هنا أن ينظر لنفسه جيّداً، ويختار لنفسه السلوك الأمثل اللائق بالدعاة، فإنَّ الناس ترقبه من حيث لا يدري، ولا يكون هجّاماً على النَّاس، ولو كانوا كفَّارا، فما بالك بمن كان عاصياً، وإنَّما تؤخذ الأمور بحسن التأتي..أنَّ الإسلام دخل كثيراً من البلدان عبر السلوك الخلقي أكثر من الدعوة الإعلامية أو الفتح، وممَّا ينبغي على الداعية هنا أن ينظر لنفسه جيّداً، ويختار لنفسه السلوك الأمثل اللائق بالدعاة، فإنَّ الناس ترقبه من حيث لا يدري، ولا يكون هجّاماً على النَّاس، ولو كانوا كفَّارا، فما بالك بمن كان عاصياً، وإنَّما تؤخذ الأمور بحسن التأتي..
2. أنَّ جاد الله القرآني أخذ على نفسه وعاتقه حمل همّ هذه الأمة والدعوة للدين بعدما تبيَّن له الحق، وهو اعتبره جزءاً من ردّ الجميل لذلك الرجل الكبير، وبدأ دعوته في بلده، رغم الصعوبات العقائدية الموجودة عند مثل هذه الشعوب، ومع ذلك فقد أسلم على يديه من اليهود والنصارى قرابة ستة آلاف ..
3. أنَّ الدعوة لا تحد بزمان ولا مكان، فعندما علم جاد أنَّ هناك من يحتاج لهذه الدعوة، ومع أنَّ المكان كان بعيداً، إلاَّ أنَّه لم يثنه عن التوجه للدعوة والتضحية بالوقت والمال والجهد، بل وبالحياة أيضاً، فترك هناك أطيب الأثر، وهذا من الهمة عنده، ومن الهم على هذه الأمَّة كذلك ..
4. أنَّ العم إبراهيم استطاع أن يوجّه ذلك الشاب بطريقة غاية في الرَّوعة، لم تحتج منه لكثير شرح أو تفصيل، وإنَّما اكتفى برسمة صغيرة مشفوعة بآية قرآنية، كانت كفيلة بأن توصل الرسالة كافية، وهذا جزء من حرص العم إبراهيم كذلك على الدعوة ..
وفي ختام القصة، هناك عبر كثيرة مستفادة ، متروكة للقارئ ، فبعدما يأخذ القصة ويسردها لأهله في البيت أو الأصدقاء في العمل، أو الناس في المسجد، يجتهد بما فيها من حكم وعبر لينشر بذلك علما استفاده ...
اللَّهم علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علَّمتنا؛ إنَّك ولي ذلك والقادر عليه .. اللَّهم آمين ..