بعد أن عانى الأمرَّين في حياته ومنذ مرحلة الطفولة، حتى الثانوية العامة إلى الجامعة، فبعد أن كتب الله له التوفيق بالدراسة والانتهاء منها خارج بلده، ليعود وقد حمل ضعف هم الدنيا على نصف عمره، ليجلس تلك الجلسة المسائية في البيت مع أمِّه وأبيه، خبيرا الدنيا – كما يراهما – ويتشاورون في زواجه، ومن هي زوجته التي سيسعد بها ابنهما عمَّا قريب ..
ويدور محور النقاش الرئيس في صعوبة الحياة، وقلة الدخل، وغلاء المعيشة والصعوبة والضنك في هذه الحياة .. لذا لا بدَّ يا بني، أن تكون زوجتك موظفة، تعينك على نوائب الدهر، ولم يدريا بعد أنها ستكون إحدى هذه النوائب ..
ويبحث الرجل بين النساء عن امرأة ، حسنة الوجه، حسنة الدخل، محجبة، تبدو عليها آثار دين موروث من هنا أو هناك ..
في مقابل هذا تماماً، تجد أباها وأمها يجلسان وحدهما يفكران في أمر ابنتهما التي صارت في سن الزواج، وممَّا يزيد فرصة (نفوقها) من البيت أنَّها قد توظفت وبدخل ممتاز، فهذا المؤهل الأول في الزواج الذي يجب وضعه على قائمة السيرة الذاتية، ويتشاوران عمَّا إذا جاءها الخاطب، فما هو الحد الأدنى لراتبه كي يوافقوا عليه، وإذا كان دخله أقلَّ من دخلها فلن ينفعنا، وأنَّ جزءاً من راتب البنت سيعود لأهلها، ولمدة لا تقل عن سنة ... هكذا جرت العادة كما تقول الأم ..
ولا داعي للتكلم عن المهر وحفل الخطوبة، وأين العرس ؟ أو أين شهر العسل ؟ فهذه تكاليف أصبحت أساسية ومتطلبات رئيسة يجب توافرها في ( عريس ) العصر ..
ويتم الزواج، نصفه بالدين، والنصف الآخر بشراء أشبه بالدين .. لتبدأ حياة ملؤها المادة منذ اللحظة الأولى، فالرجل ينظر للزوجة على أنها ( صراف آلي ) يلد المال كل نهاية شهر، وهي تنظر إليه كرجل يجب عليه أن يمتعها متع الحياة كلّها، وأن يطوف بها البلدان، كما فعل زوج صديقتها مع صديقتها عندما تزوجا ..
وفترة خطوبة مزيفة مليئة بالأكاذيب والخداع أو النفاق، يتكلَّم فيها كل منهما عن بطولاته في العمل أو البيت، وما يحب وما يكره، لكن دون وضوح تام وصدق ناصع ..
وبعد أقل من سنة، وبعد أن كتب الله بينهما الجنين الأول، وقبل أن تضعه أمّه بعدة أسابيع ، تتفاجأ بامرأة حامل، تمشي متمايلة يمنة ويسرة، ورجل مكلول محمل بالمتاعب والديون، تراه يترنح بين أبيه ومحاميه، ودموعها تتساقط على خديها، وقد وضعت في حقيبتها الصغيرة نسخة من وثيقة الطلاق، التي نقضت بها وثيقة الزواج .. ذلك الزواج الأعمى ..!!
لعلَّه بات من الواضح الكثير من الأسباب الموجبة للزواج الفاشل وليس للطلاق، فكثير من الأزواج تحت سقف واحد، لكنَّهما في حكم المطلقين ..
الزواج يجب أن يكون على بصيرة، أن تعرف المرأة أيَّ رجل تتزوَّج، وأن يعرف الرَّجل أيَّ امرأة يريد، وأن يعرفا كلاهما كيف يتعاملان مع مشكلهما وسوية، ودون اللجوء للعوامل الخارجية، فإنَّ العوامل الخارجية دوما هي عوامل (حت وتعرية) حت للعلاقة بينهما فلا مجال للصلح بعد ذلك، وتعرية لأخلاق كلّ منهما ليبدأ كلٌّ منهما بذكر المساوئ حتَّى لو اضطر للكذب لتبرئة نفسه.
فكرة ماليزية :
تجربة ماليزيا لتأهيل المقبلين على الزَّواج ...
فكل متزوّج جديد يأخذ إجازة براتب من الدوام، ويدخل في دورة يتعلم فيها فنون العلاقة الزوجية، وكيفية التعامل مع الطرف الآخر، وحدود الاحترام بينهما، وكيفية حلّ المشاكل الزوجية لمدة شهر واحد.
فبهذه التوعية نساهم في تقليل نسب الانفصال كما هو حاصل في ماليزيا، حتى أنَّ الرئيس الماليزي «مهاتير محمَّد» الذي عمل برنامجاً للمتزوجين الجدد في عام 1992م، قال: كل متزوّج جديد يدخل دورة لمدة شهر يأخذ إجازة براتب من الدوام، يدخل دورة يتعلم فيها فنون العلاقة الزوجية، كيف يحترم زوجته؟ كيف الزَّوجة تحترم زوجها؟ كيف يحلّون مشكلتهم؟ لماذا يُستخدم الضرب؟ ليحلّ مشكلة، فعلمهم كيف يحلّون مشاكلهم، كانت نسبة الطلاق في سنة 1992م 32% في ماليزيا، وبعدها أجري بحث وأخبرت وزيرة العمل الاجتماعية أنَّ نسبة الطلاق 7 % وهي أخّفض نسبة على مستوى العالم كله.
لذلك قال النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم : ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)). رواه الترمذي وغيره.
وعَنِ أَبي هُريرة رضيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النبيِّ صَلّى الله عَلَيْهِ وَسَلّم قال: (( تُنْكحُ الْمَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لمالها ولِحَسَبها ولِجَمَالها وَلدينها: فَاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ تَربَتْ يَدَاكَ )). مُتّفَقٌ عَلَيْهِ