السؤال :
ابني في مرحلة المراهقة ووالده كثير السفر، وألاحـظ عليه العديد من المتغيرات، وأصبح يرفـض كل ما أقدمه إليه ومتمرد بشكل كبير، ولا يسمع الكـلام، ويسهر كثيرا أمـام التلفزيون أو الكمبيوتر، والعلاقة بيني وبينه أصبحت متوترة وفاترة، وأخشى عليه من أصدقـاءه بالخارج، وهو أمـر يؤرقني كثيرًا، فأنا اشعر أن ابنـي يضيع مني، فكيف أستطيع أن أتغلب على تلك المشاكل؟.
الرد :
أولاً : بالنسبة لمرحلة المراهقة ورصدك للعديد من المتغيرات في الابن، هي طبيعة المرحلة، ولا تخشي منها ، وليست أزمة كما يظن البعض ، فإن عرفنا طبيعة مرحلة المراهقة وكيفية التعامل معها، وفنون التربية الصحيحة، استطعنا المرور بأبنائنا بأمان وسلام ، فهو يرفض لإثبات ذاته، وليس التمرد إلاَّ إعلان منه بأنه لم يصبح طفلاً ، وعدم سماعه الكلام ليس رفضاً لأمه أو أبيه ، ولكنه رفض للأسلوب الذي يفهمه على أنه أوامر كبر عليها، لأنه في هذه السن يميل إلى الحوار والإقناع، مثل الوردة التي تتفتح، أما عن سهره فهو لإثبات أن وقته وبرنامجه هو المسئول عنه وعن وضعه، وكلما وفرنا له اختيارات متعددة وهوايات مفيدة ، مع ترك وضع برنامجه باختياره، كان أوفق وأحسن، ولذلك فهو يحتاج منك إلى أربعة أشياء، وهذا ما جاء في دراسة ميدانية، عندما سئل المراهقون : ماذا تريدون من آبائكم ؟ قالوا : ( الحب والاحتواء والزجر والنهي )، وهذا شيء طبيعي ولا يدعو للدهشة، حيث نعم مثل لا، في هذه السن، فليس بالحب والتدليل فقط ، وليس بالزجر والشدة فقط، تكون التربية، وإنما خلاصة التعامل مع سن المراهقة في كلمتين فقط، ( المصاحبة والتوجيه )، والتوجيه بمعنى المساعدة وليس التسلط، والمعاونة وليس الأمر للتنفيذ.
ثالثاً: وفق ما سبق فإنني أرى أن سفر والده الكثير، يمكنك أن توظفيه ليصبح نعمة، والأب في ذات الوقت لا يتخلى عن أداء نفس الدور في ظل وسائل الاتصال اليوم السريعة من النت والمحمول وغيره، أما أنت كأم ذكية، فحسن توظيف غياب الأب يكون في إظهار ذات الابن وتعظيم مسئوليته، أثناء سفر الوالد، مما يعمق في نفسه أنه ليس مهمشاً أو مازال طفلاً أو لا وجود له، فالمراهق يشعر في داخله : أن أحداً لا يسمعه، وأن أحداً لا يثق فيه، وأن أحداً لا يشعر به، ولكنك بشيء من المصاحبة واللباقة يمكنك احتواء ذلك بسهولة .
ثالثاً: لا تخافي عليه من الأصدقاء، لأنَّ الحقيقة الغائبة عن الكثير، أن الأصدقاء في مرحلة المراهقة غير دائمين، والمراهق للتغييرات المستمرة يغيرهم أيضاً، ولكن لماذا كما يبدو يتمسك بهم ؟ التمسك ليس بأشخاصهم ، وإنما لأننا نقول له ( صاحب فلان ولا تصاحب علان ) ، ولذلك فالمخالفة هنا لإثبات ذاته وأن القرار قراره ، وأنه أصبح في عداد الرجال ، وليس طفلاً نملي عليه رأينا، وربما يجره عدم فهمنا لهذه الحقيقة إلى الخطأ ، في الوقت الذي يحتاج فيه منا إلى المصاحبة والتوجيه، ومن المصاحبة أن نصاحب أصحابه، ونترك له حرية الاختيار في قناعة، ولو سلكنا طريق الحوار وترك القرار له، هو الذي يفاجئنا بقوله : تركت مصاحبة فلان لأنه لم يعجبني ! .
رابعاً : العلاقة المتوترة والفاترة بإذن الله ستنتهي، لأنَّ المراهق يريد أن يكون سره عند أمه وأبيه، وأن يشعر بالاهتمام والدفء بمعرفة الاحتياجات السابقة، والذي يمنعه نحن بالممارسات الخاطئة ، ومن أعظم ما يقوم به الوالدان : الحب والدعاء، ومظاهر الحب ليست خافية عليك كأم، من نبرة الصوت وتعبيرات الوجه والتبسم والملامسة والاحترام وإعطائه الفرص عند الخطأ، أما الدعاء له فمهم جداً، وليس الدعاء عليه، في لحظة انفعالية، فإن كل ذلك يزيد التوتر ويجعل الابن منجذباً إلى خارج البيت، وكلنا أدري بما خارج البيت، وأكره ما يكره المراهق ثلاثة عبارات يجب أن نبتعد عنهم : ( ذاكر ولا تذاكر – صاحب ولا تصاحب – رتب سريرك واخلع حذاءك)، فلو أصبحنا مغناطيساً نجذبه بالممارسات التي يفهمها ، سنخفف كثيراً من هذه الأوامر التي تجعله يضعنا في بند المكروهين ! .
خامساً : لا داعي إذن للأرق، والابن لن يضيع، إذا ركزنا على الهدف البعيد وليس الآن، وهو أن يكون إنساناً صالحاً في حياته، لا نضغط عليه فيكفيه ما هو فيه من ضغوط حتى لا نولد انفجاراً نحن في غنى عنه، ولا نستعمل أسلوب الأمر بل بالحب والحوار والنقاش مع أقوى سلاح الدعاء، حتى لا يشعر بأنكم تحبون الدرجات العالية ولا تحبونه هو، وهذا شعور يمتلك المراهق كثيراً .
سادساً : ستمر المرحلة سواء شئنا أم أبينا، وبلا أزمة، وستبقى المعاني التي غرسناها من المصاحبة والحب والتوجيه، والهداية بعد ذلك نسألها لأبنائنا وبإلحاح في الدعاء، لأنها من الله تعالى ، يقوله تعالى : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء }، وكلنا نحب أبناءنا ونحرص عليهم، ولكن القليل من يصبر عليهم ، وهذا هو المعنى الحقيقي للتربية التي لا ينساها الأبناء لنا كآباء أبد الدهر، فإذا علمنا أيضاً بأن 90 % من شخصية أبنائنا قد تكونت في سن الطفولة المبكرة أي من 3 سنوات إلى سبع سنوات، فإنَّ ذلك يؤكد على مصاحبتهم وتوجيههم، للمرور بما نحن قد مررنا به بأمان ويسر وسلام، والله تعالى يوفقك إلى كل خير، لقاء هذا الحرص والحب والعطاء والتربية، ولذلك فالابن لن يضيع، ولن يكون في طريق الضياع.