أنعم الله على الإنسان بنعمة النُّطق والبيان، فأعطاه اللسان ليكون وسيلة للتعبير والتواصل بينه وبين غيره من الناس، واللسان وإن كان صغيرَ الحجم إلاَّ أنَّه عظيم الفعل والأثر.
فاللسان قد يدخل المرء في الإسلام فيكون مؤمناً وذلك بالنطق بالشهادتين، أو يخرجه من الإسلام فيكون كافراً.
واللسان يجعل لبعض الناس مكانة في المجتمع، حينما يتميَّزون بالطلاقة والفصاحة، وقد لا يُعرف صاحبه أو تتم معاداته إذا كان لسانه بذيئاً أو لا يحسن القول والتعبير.
إذن الأثر لا يقاس بالحجم، فلسان الإنسان قد يوقع التغيير في نفوس آلاف من البشر، وقد يهوي ببعضها إلى أسفل سافلين.
ولأنَّ اللسان عظيم الأثر، تواردت النصوص القرآنية والنبوية لتؤكد على ضرورة الحفاظ عليه، وضمان تحقيق الغاية المنشودة منه، وهي نشر الكلمة الطيبة والدعوة إلى الخير بين الناس.
ومن يتتبع نصوص الكتاب والسنة يتيقن أنَّها جاءت للحثِّ على ضبطه، ومراقبة ما يصدر عنه، حتَّى لا يكون ممن توعدهم الله بالعذاب الأليم يوم القيامة.
- قال الله تعالى: "ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" (ق:18). وهنا يؤكد الله سبحانه وتعالى على أن ما يصدر عن الإنسان من كلمات وعبارات وأقوال، مسجلة عنده سبحانه ومكتوبة في صحيفة قائلها ومجازىً عليها، إن كانت خيراً فخير أو شراً فشر.
- وقال صلَّى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده))، [متفق عليه]. وهنا يؤكِّد المصطفى عليه الصَّلاة والسَّلام، أنَّ المسلم الحقيقي لا يتعرَّض لإخوانه المسلمين سواء بالشتم أو القدح والتشهير، أو الغيبة والنميمة وغيرها من الآفات التي تعود لمصدر واحد، ألاَّ وهو اللسان.
- وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها في النار أبعد مما بين المشرقين))، [رواه البخاري]. وهنا يبين رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خطورة ما يصدر عن اللسان، إذ قد تهوي تلك الكلمة بصاحبها في نار جهنَّم، والعياذ بالله، وهذا فيه حث على المراقبة لما يصدر عنه من قول وبيان.
إنَّ النصوص السَّابقة، تؤكِّد وبما لا يدع مجالاً للشك، أهمية ما يصدر عن اللسان، فاللسان قد يرفع صاحبه إلى مقام الذاكرين، فينال المدح والثناء من رب العباد.
فقال تعالى: {والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيما}، [سورة الأحزاب: 35].
وقال سبحانه أيضاً: {ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين}، [سورة فصلت:33].
إنَّ المرء حينما يشغل لسانه بذكر الله، وتلاوة القرآن، وقول ما هو مفيد لدنياه وآخرته، فإنَّه سيكون ممن حازوا الثَّواب ونالوا الرِّضا.
بل إنَّ اللسان قد يكون سبباً في جعل صاحبه في أعلى مراتب الشهداء، كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((سيِّد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله))، [ رواه الحاكم بإسناد صحيح].
فتخيَّل أخي القارئ، كيف رفع اللسان من قدر من يقول كلمة الحق في وجه من يرتكب الباطل، لأنَّ صاحبها كان وقّافاً على الحق، لا يخاف في الله لومة لائم.
لكن وفي نفس الوقت، فإنَّ اللسان قد يهوي بصاحبه في الجحيم، ويلقيه في النار على وجهه، والعياذ بالله، وهذا رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يشير إلى هذا المعنى فيقول عليه الصَّلاة والسلام: ((وهل يكبّ النَّاس في النَّار على وجوههم أو على مناخرهم إلاَّ حصائد ألسنتهم))، [أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد].
وهذا اللسان الذي يودي بخسران صاحبه، له آفات عديدة؛ كالغيبة، والكذب، والنميمة، والإفك، والبهتان، والافتراء، وقول الزور، وغيرها من الأمور.
والمأساة أن تصبح هذه الآفات عادة لدى صاحبها، فلا يقول إلاَّ شراً، ولا يصدر عن لسانه إلاَّ ما هو خبيث.
إنَّ أمراض اللسان الناتجة عن عدم حفظه، قد تكون نابعة عن خلل في التربية، أو ضعف في شخصية صاحبها، أو مرض نفسي يعتريه، وقد تكون غيرة وحسداً، وكلُّها أمور مذمومة لا تبرر بحال لصاحبها ما يقوم به.
إنَّ حفظ اللسان عمَّا يتسبب به من آفات ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى مجاهدة ومتابعة. وممَّا يؤكِّد على ذلك أنَّ محمَّد بن واسع قال لمالك بن دينار: يا أبا يحيى: حفظ اللسان أشد على الإنسان من حفظ الدينار والدرهم.
إنَّ اللسان إذا لم يقم المرء بتقويمه وإصلاحه وتجنيبه عما يجلب الغضب والسخط، فإنه إضافة لقلة إيمان صاحبه قد يكون من صف المنافقين الذين يلمزون وينشرون الأكاذيب ويفترون على الناس دون أدنى علم أو حجة.
إضافة لما سبق فإن آفات اللسان قد تكون سبباً في تفتيت تماسك المجتمع، وإحلال البغض والكراهية بدل المحبة والمودة، وفي نفس الوقت فإنها قد تكون سبباً في إفشال دعوات الخير والإصلاح، خصوصاً إذا رافقها سوء الظن، والقول دون علم أو دليل.
إنَّ المؤمن الحق، لا يدع لسانه يقوده إلى ما يريد، بل هو من يقود لسانه فيجعله أداة خير وإصلاح، لا أداة شر وإفساد.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.