الابتسامة لغة علمية تعدُّ أرقى لغات الجسد، وطريقاً مختصراً لكسب القلوب، وباباً من أبواب نجاح الدعوة.
صحيح أنَّها أداة يستهين بها الكثير من النَّاس، لكنَّها تحمل في مضمونها وسيلة حب للمجتمع، لأنَّ البشر بطبيعتهم يحبُّون الدافئين الودودين؛ لأنَّها لغة لا تحتاج إلى ترجمة، وتعبِّر عن مضمون الروح وإيجابيتها، وتحمل في مضمونها الكثير من الكلمات والعبارات التي يتفق البشر جميعهم على فهمها ومعرفة محتواها.
الابتسامة وقود للحب والديمومة للأسرة، ومفتاح لتماسك المجتمع وتراصه، وأداة سحرية تميز بعض الدعاة عن كثير ممن يشتركون معهم في الدرب نفسه.
إنَّ الابتسامة ليست بدعاً من الأمور، بل تأسياً بسيرة خير البرية محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم ومن اقتفى أثره. وقد أورد الصَّحابة رضي الله عنهم الكثير من الآثار تؤكِّد على ذلك، فهذا عبد الله بن الحارث يقول: ((ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله صلَّى الله عليه وسلم)). [ رواه الترمذي وأحمد ].
وهذا أبو ذر يروي عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق)). [ رواه مسلم ] ، وفي موضع آخر يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: ((تبسمك في وجه أخيك صدقة)). [ رواه الترمذي ] ، وهذا قيس بن جرير يقول: ((ما رآني النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلاَّ تبسم في وجهي)). [ متفق عليه ] .
فهذه الآثار تؤكِّد أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم كان يكثر من الابتسامة، وأنَّ الصَّحابة رضوان الله عليهم كانوا شديدي التأثر والتعلق به والالتفاف حوله، وهذا يدلُّ عليه قوله تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك}. [ آل عمران: 159 ] .
إنَّ النّفوس البشرية تنفر بطبيعتها من أصحاب الكآبة والوجه العبوس، لأنَّها تحب الذين يرسلون بابتسامتهم رسائل الحب والمودة والأخوة والألفة.
إنَّ الابتسامة بابٌ من أبواب الخير والصَّدقة والبر والتربية، ولنتأمل أثر ابتسامة الأب لابنه حينما يراه، أو ابتسامة المعلم لتلميذه، أو المدير للموظف، والداعية للمدعو.
كما أنَّ الابتسامة أداة لا تكلّف شيئاً، وهي لا تحتاج إلى دورات مكثفة، أو محاضرات متخصصة، بل هي نابعة من الفطرة البشرية، والنفس الإيجابية، وكم من الجميل أن نتدبر قوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق)). [ رواه أبو يعلى والبزار بإسناد حسن ] .
والابتسامة تنشر داخل المجتمع الطمأنينة وتشيع فيهم روح المودة والألفة في جميع المستويات، وهي من أحب الأعمال إلى الله تعالى؛ لقوله صلَّى الله عليه وسلَّم: ((وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مسلم)). [ رواه الطبراني ]، وهي بلا شك من مظاهر حسن الخلق التي تدلل على سمو صاحبها ورفعة مكانته.
والابتسامة تكون أكثر أهمية وتأكيداً في حق الداعية، الذي ينشر الخير بدعوته، وذلك لأنَّ كلَّ تصرف من تصرفاته يترجم إلى انطباعات في نفس المدعو، وكم من أمر بسيط سهل لتلك الدعوة أن تدخل في صميم القلوب فيظهر أثرها على الجوارح.
إنَّ بعض الدعاة – مع بالغ الأسف- ظنّوا أنَّ الابتسامة تتنافى مع الهيبة والوقار، فجعلوا وجوههم عابسة، ونسوا أنَّ النَّاس جبلوا على حب من يبتسم في وجوههم، وبغض من لا يحترمهم أو يعبس فيها.
إنَّ البعض صار يقلل من أهمية الابتسامة، ويبين أنها عبث لا تناسب حال أمتنا وواقعنا، ويدلِّلون على ذلك بأنَّ فلاناً لم يبتسم قط، أو لم تر الابتسامة على وجهه، وهذا موقف خاطئ؛ لأنَّ هناك فرقاً بين الحزم والغضب الذي يستلزم وجوده لبعض المواقف والأحداث العظيمة المهمَّة، وبين الابتسامة التي لا بدَّ وأن تكون ملازمة للمرء في جميع أوقاته.
ولهذا فالابتسامة أسلوب ذكي، سهل استخدامه، وأداة للنَّجاح والتميز وكسب القلوب ونشر الأفكار بين النَّاس.