نبذة عن حياته
هو مصطفى بن حسني السباعي من مواليد مدينة حمص في سورية عام 1334هـ / 1915م، نشأ في أسرة علمية عريقة معروفة بالعلم والعلماء منذ مئات السنين، وكان والده وأجداده يتولون الخطابة في الجامع الكبير بحمص جيلاً بعد جيل، وقد تأثر بأبيه العالم المجاهد والخطيب البليغ الشيخ حسني السباعي، الذي كانت له مواقف مشرّفة ضد الأعداء المستعمرين، حيث قاومهم بشخصه وجهده وماله.
تميَّز السِّباعي منذ نعومة أظفاره بالنَّباهة والذَّكاء وحبِّ العلم، فحفظ القرآن وهو صبيٌّ، وتلقَّى ألوان العلوم الشَّرعية على يد والده، وكان مصطفى يصحب أباه إلى مجالس العلم، التي يحضرها علماء حمص، ويشهد مناقشاتِ العلماء، وكان أولئك العلماءُ يحدبون عليه ويهتمون به، ويعطونه ما يسألهم عنه من المسائل العلمية، والأدبية، والاجتماعية، فكان لذلك أثرٌ كبيرٌ في وعيه بالأحداث والقضايا التي كانت تمرُّ ببلده سورية والأمة الإسلامية.
أنهى السِّباعي دراسته الأوَّلية والشَّرعية في مدارس حمص عام 1930م، وكان الأوَّل على زملائه، وفي عام 1933 مسافر إلى مصر والتحق بالأزهر، وانتسب إلى قسم الفقه، ونال الإجازة من كلِّية أصول الدِّين بتفوُّق.
وحين خطب للزواج، أخبر الخاطبون أهل الفتاة أنَّ السباعي مشغول في معظم أوقاته بأعباء الدعوة الإسلامية، ليكونوا على علم بذلك، فوافقوا وتمَّت الخطبة.
شارك السباعي في مقاومة الاحتلال الفرنسي لسورية، وكان يوزع المنشورات ويلقي الخطب ويقود المظاهرات في حمص وهو في السادسة عشرة من عمره، وقد قبض عليه الفرنسيون واعتقلوه أول مرة عام 1931م بتهمة توزيع منشورات في حمص ضد السياسة الفرنسية، كما اعتقل مرَّة ثانية من قبل الفرنسيين أيضاً، بسبب الخُطَب الحماسية التي كان يلقيها ضدَّ السياسة الفرنسية والاحتلال الفرنسي، وآخرها خطبة الجمعة في الجامع الكبير بحمص حيث ألهب حماس الجماهير وهيج مشاعرهم ضد الفرنسيين، بل قاوم الفرنسيين بالسِّلاح حيث قاد مجموعة من إخوانه في حمص وأطلقوا الرّصاص على الفرنسيين ردّاً على اعتداءاتهم.
وفي عام 1933م ذهب إلى مصر للدراسة الجامعية بالأزهر، وهناك شارك إخوانه المصريين عام 1941م في المظاهرات ضد الاحتلال البريطاني، فاعتقلته السلطات المصرية بأمر من الإنجليز مع مجموعة من زملائه الطلبة، وبقوا في المعتقل قرابة ثلاثة أشهر، ثم نقلوا إلى معتقل (صرفند) بفلسطين حيث بقوا أربعة أشهر، ثم أطلق سراحهم بكفالة.
وكان الشيخ السباعي في فترة الدراسة تلك قد تعرَّف إلى الإمام حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين بمصر، وظلت الصلة قائمة بينهما بعد عودته إلى سورية، حيث اجتمع العلماء والدعاة ورجال الجمعيات الإسلامية في المحافظات السورية وقرروا توحيد صفوفهم، والعمل جماعة واحدة، وبهذا تأسست منه ( جماعة الإخوان المسلمين ) لعموم القطر السوري، وكان ذلك عام 1942م، ثم بعد ثلاث سنوات، أي: في عام 1945م، اختار الجميع الأستاذ مصطفى السباعي، ليكون أول مراقب عام للإخوان المسلمين في سورية.
وفي عام 1944م ذهب السباعي إلى الحج لأول مرة وفي عام 1947م أنشأ جريدة (المنار) حتَّى عطَّلها حسني الزّعيم بعد الانقلاب العسكري الذي قاده بتدبير ودعم من الأمريكان عام 1949م.
ولقد عمل السباعي وإخوانه على إدخال مواد التربية الإسلامية إلى المناهج التعليمية، كما سعى لإنشاء كلية الشريعة في الجامعة السورية، ثم شرع في إنشاء موسوعة الفقه الإسلامي التي أسهم فيها العلماء من جميع أنحاء العالم الإسلامي لتقديم الفقه الإسلامي في ثوب جديد، يعالج قضايا العصر ويحل مشكلاته على ضوء الكتاب والسنة وفقه السلف الصالح، واجتهاد العلماء الذين يملكون وسائل الاجتهاد وأدواته.
يتبع في الحلقة الثانية ...