من المعلوم أن النّاس ليسوا سواء في تقواهم وتوكلهم على الله تعالى وصبرهم على قضاء الله تعالى لهم. فهناك الصابرون المؤمنون، وهناك من يجزع ويقنت فينكص على عقبيه عند أول ابتلاء أو محنة يمر بها أو يعاني منها.
إن الصبر عبادة تسمو بصاحبها عن غيره من الناس، ذلك لأنها تحقق لصاحبها رفعة وعزة، كيف لا وصاحبها أصبح قلبه معلقاً بالله فنال مراتب عالية عند ربه عز وجل، وهذا ما أكدت عليه الآيات الكريمة في أكثر من موضع، وتأمل معي اخي القارئ هذه النصوص لتجد أهمية الصبر والحث عليه ومكانة صاحبها عند الله تعالى.
- قال تعالى: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار)، [الرعد:24].
- قال تعالى: (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المفلحون)، [البقرة:177].
- وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)، [البقرة: 153].
وهل هناك مقام أرفع من جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمؤمنين الصابرين، وهل هناك وصف أفضل من أن يصف الله تعالى الصابرين بالصدق والفلاح، ثم يبشرهم بوجود معيته معهم!
والصبر لم تحث عليه نصوص الكتاب فقط، بل نجد السنة النبوية الشريفة تؤكد على المعاني السابقة، وهنا أورد اثنين من هذه النصوص:
- قال صلى الله عليه وسلم: (وما أعطي أحد عطاءً خيراً وأوسع من الصبر)، ( متفق عليه).
- وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن الله تعالى: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه (عينيه) فصبر عوضته منهما الجنة).
إذن الصبر عبادة لا يتقنها الكثير من الناس، بل هي ما تميز القلة القليلة المؤمنة، فمنحتهم الأجر العظيم عند الله، والتمكين في الأرض بالدنيا.
وهاهم أنبياء الله عليهم السلام، تعرضوا لشتى أنواع العذاب، حتى وصل الأمر إلى القتل، ومع ذلك ما وهنوا وما استكانوا فكانوا خير البشر بلا خلاف ولا نزاع، فبقوا ثابتين رغم الابتلاءات العديدة بأنواعها المختلفة فكانوا نعم القدوة لهذه البشرية.
وها هو حبيبنا صلى الله عليه وسلم، يتعرض لما يتعرض له من الأذى كما تعرض له الأنبياء السابقون – عليهم السلام– ومع ذلك يصبر، ويحتسب الأمر عند الله، ليكتب الله له النصر والتمكين بعد سنوات من الأذى والتعذيب والبعد عن أقدس البقاع.
وكذلك الصحابة رضوان الله عليهم، اقتفوا آثار الأنبياء، فصبروا ولم يجزعوا، وثبتوا ولم يتنازلوا، فكانوا منارات تنير الطريق لدرب السالكين لطريق العزة والتمكين ودخول جنة عرضها السماوات والأرض.
ولهذا فإن العبد إذا صبر ظفر بالعناية والرحمة والأجر، وكان ممن تشرفوا باستمرار معية الله لهم، فكان مصدر عزة لأمة تبحث عنه وعن أمثاله.
إن الصبر على البلاء الشخصي، واحتساب أجر ذلك عند الله، يعلم المرء الصبر على البلاء الذي يمحص الله فيه الصف، فيكون لصبره بالغ الأثر في نجاح دعوته وقوتها واستمرار وهج نورها وثباتها.
وإن من يظن أن الرفعة وعلو المنزلة تدرك بغير الصبر والاحتساب، فقد جانب ظنه الصواب، لأن الإنسان لابد وأن يمتحن بتعرضه لهذه الابتلاءات.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصابرين المتوكلين عليه.