في أواخر عصر الصَّحابة رضي الله عنهم ظهر مَن يتعمَّد الكذب على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وينسب إليه أحاديث لم يقلها، رغم ما ورد عنه من الوعيد على ذلك والتحذير منه، حيث يقول الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم : ((إنَّ كذبا عليَّ ليس ككذب على أحد، مَنْ كذب عليَّ متعمَّدا فليتبوأ مقعده من النار)). ]أخرجه البخاري في صحيحه[.
وكان أغلب من اشتهر بوضع الحديث قومٌ من الملاحدة دخلوا في الدين تستراً، فأَرادوا إفساد العقيدة، والتشكيك في الإسلام، وآخرون يقصدون التعصب لولاَّتهم وقبائلهم وبلادهم، ونوع ثالث وهم القُصاص الذين أرادوا الشهرة بكثرة المرويات، وغرائب الحكايات التي تستثير النفوس وتحرِّك القلوب.
ولكنَّ علماء الحديث عندما أحسّوا بهذا الخطر قابلوه بما يبطله ويردّه من حيث جاء، ليسلم الحديث النبوي من كل دخيل، ويبقى معيناً صافياً، ومن أبرز القواعد التي وضعها علماء الحديث للحفاظ على صحة الأحاديث التزام الأسانيد وتسمية الرواة، فللإسناد أهمية كبيرة عند المسلمين وأثر بارز، و ذلك لما للأحاديث النبوية من أهمية، إذ إنَّ الحديث النبوي الشريف ثاني أدلة أحكام شرعنا الحنيف، ولولا الإسناد واهتمام علماء الحديث به لضاعت علينا سنة نبيّنا صلَّى الله عليه وسلَّم، ولاختلط بها ما ليس منها، ولما استطعنا التمييز بين صحيحها من سقيمها؛ فغاية دراسة الإسناد والاهتمام به هي معرفة صحة الحديث أو ضعفه ، فمدار قبول الحديث غالباً على إسناده .
وهذا من خصائص هذه الأُمة، وبه يُعرف مصدر الحديث، ومرتبة رجاله، فيحكم بقبوله أو ردِّه، وقد أسَّس لهذه القاعدة في الحفاظ على الحديث النبوي ثلة من التابعين، منهم سفيان الثوري الذي قال :((الإسناد سلاح المؤمن، إذا لم يكن معه سلاح، فبأي شيء يقاتل ؟ )).]جامع الأصول لابن الأثير[.
ومنهم عبد الله بن المبارك حيث يقول : ((الإسناد من الدين لو لا الإسناد لقال مَنْ شاء ما شاء)). ]أخرجه مسلم في مقدمة صحيحه[.
تعريف الإسناد:
في اللغة: الإسناد مصدر للفعل الثلاثي المزيد ((أسند)) من قولهم : أسندت هذا الحديث إلى فلان أسنده إسناداً إذا رفعته ، وسند إلى الشيء واستند إليه بمعنى ، وأسند غيره .
في الاصطلاح : عرَّفه بعض العلماء بأنه رفع الحديث إلى قائله، وعرَّفه آخرون بـأنَّه حكاية طريق المتن.
ويمكن أن نعرِّفه بأنَّه سلسلة الرواة التي حصل بها تلقِّي الخبر.
والسند والإسناد بمعنى واحد ، قال الطِّيبي:(السند والإسناد يتقاربان في معنى الاعتماد).
وقال ابنُ جماعة 🙁 المحدثون يستعملون السند والإسناد لشيء واحد).
ولقد كان السلف الصالح رضوان يطلبون السند العالي، قال أحمد بن حنبل رضي الله عنه: (طلب الإسناد العالي سنة عمَّن سلف، وقد روينا: أن يحيى بن معين رضي الله عنه، قيل له في مرضه الذي مات فيه: ما تشتهي ؟ قال: بيت خالي وإسناد عالي).
وذلك لأنَّ العلو يبعد الإسناد من الخلل، لأنَّ كلَّ رجل من رجاله يحتمَّل أن يقع الخلل من جهته سهواً أو عمداً، ففي قلتهم قلة جهات الخلل، وفي كثرتهم كثرة جهات الخلل.
مراجع للاستزادة :
-الباحث الحثيث (شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير) لأحمد شاكر.
-تيسير مصطلح الحديث للدكتور محمود الطحان
-شرح المنظومة البيقونية للشيخ عبد الله سراج الدين