قوَّة روحية هائلة تلك التي تدفع المربين للمضي في طريق العمل الدعوي، فثمة طريق بدؤوه داخل المؤسسة الدعوية، هو طريق محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، والذي لم يعرف المربّون طريقاً سواه، فخلق لديهم إرادة قوية لا يتطرَّق إليها ضعف، ووفاء لا يعتريه غدر، وتضحية لا يحول دونها طمع، واعتصام بالمبدأ لا انخداع بغيرة، ولذلك تنتفح لهم القلوب ويلجون من الأبواب المغلقة لدعم قيم الخير والهداية للبشرية.
وأمام هذا المد الدعوي، والتأثير القوي في المتربين وإبصارهم بعظمة هذا الدين، وقوة الفكرة الإسلامية، يبدأ خصوم الإسلام في نشر بعض الشبهات سواء فيما يتعلَّق ببعض المبادئ الإسلامية أو ما يتعلَّق بأفراد المؤسسة أو تاريخها وأهدافها ووسائلها، ممَّا يكون له الأثر السلبي على بعض أفراد المؤسسة بتلقف هذه الشبهات وتصديقها، وهو ما يعود بالسلب على الصف وعلى بعض المتربين الذي ينخدعون ببعض تلك الأقاويل فتؤثر على مسيرتهم داخل المؤسسة الدعوية، الأمر الذي يتطَّلب من المربين رصد ظاهرة قابلية تصديق الشبهات لدى بعض أبناء الصف، وسهولة الاقتناع بها، ومن ثم البعد أو ضعف التفاعل داخل المحضن التربوي أو الأعمال الدعوية بشكل عام.
ويرى الدكتور عبد الحميد البلالي أنَّه من أهم المظاهر التي تمَّ رصدها والتي توحي بحدوث خلل ما داخل المتربي أو تأثر ببعض تلك الشبهات، أن تجد المتربّي تارةً يظهر بعض التشكيك في بعض توجهات المؤسسة، وكثرة الأسئلة التي يشتم منها رائحة انعدام الثقة أو تزعزعها، وكذلك كثرة الجدال في أمور كانت مسلَّمة له قبل ذلك، والانتقاد المتواصل لكلِّ شيء في مؤسسته وعدم رضاه على شيء، والتغيّب عن أنشطة المؤسسة وعدم التفاعل مع الأنشطة المهمَّة، وكثرة القراءة في كتب الشبهات وترك كتب تأصيل العمل الدَّعوي، والبحث عمَّن يوافقه الرَّأي في وجود بعض الشبهات.
أهم أسباب تلقف الشبهات هو عدم أخذ المتربِّي الكمية الكافية اللازمة من التثقيف والتربية، وتجاهل العنصر التاريخي للمؤسسة في المنهج التربوي، وتغييب بعض المعلومات المهمَّة في تاريخ المؤسسة وأهدافها ووسائلها
تلك هي المظاهر التي إذا لاحظها المربِّي يعلم أنَّ هناك شبهات عديدة اجتاحت بعض الأفراد، وعليه أن يدرس الأسباب التي أدَّت إلى ظهور هذا الخلل، وجعل الفرد داخل المؤسسة الدعوية قادر على تصديق الشبهات وتلقفها بكل سهولة، وأهم هذه الأسباب هو عدم أخذ المتربِّي الكمية الكافية اللازمة من التثقيف والتربية، وتجاهل العنصر التاريخي للمؤسسة في المنهج التربوي، وتغييب بعض المعلومات المهمَّة في تاريخ المؤسسة وأهدافها ووسائلها، وغيرها من الأمور جعلت المتربي لا يراها إلاَّ في شبهات الخصوم فتلقفها.
وتذبذب الشخص وضعفه منذ باديته (التكوين الشخصي)، واحتكاكه الكثير بأصحاب الشبهات سواء من الخصوم أو من ضعفاء المؤسسة، وكثرة قراءته لأدبيات الخصوم (مقالات كتب أشرطة)، والهزات الكبيرة والفتن العظيمة التي تتعرَّض لها المؤسسة وأفرادها، وموقف المؤسسة إزاء الفتن العظيمة التي تحدث محلياً وعالمياً، وتجاهل أسئلة الأفراد المحرجة أو إعطاء أجوبة عامة، والبيئة العائلة المحيطة به، والتي قد يكون لها الأثر السلبي في عمله، وكذلك وجود بعض السلبيات في عمل المؤسسة، فضلاً عن عدم انتباه المؤسسة لبعض مشاكلها الدعوية أو الشخصية والمبادرة إلى حلها.
وقضية الشبهات هي من أكثر القضايا التي تؤثر على عقلية المتربين، ولذلك يجب العمل على حلها باستمرار، ووقاية أبناء الصف من الوقوع في شراكها، ومن أهم ما قيل في كيفية ردّ المربّي على الشبهات وتحصين المتربي منها؛ هو ما ذكره الدكتور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين؛ حيث أكَّد على المسؤولين التربويين أن لا يهجروا تاريخ الدعوة أبداً، وكذلك تاريخ القادة والمرشدين وفهم الدروس والعبر من قصصهم وتاريخهم؛ حيث إنَّه الزاد الحقيقي للدَّاعية، وفي هذا التاريخ الزاد الحقيقي للرّد على كل الشبهات المثارة حول الدعوة.
على المؤسسة أن تقوم هي وقادتها بالرد على الشبهات التي يعرضها الإعلام بشكل عام ولا تترك فقط للاعتماد على رد أفراد المؤسسة كل حسب فهمه
ومن الوسائل النَّاجعة لحل تلك القضية أيضاً؛ هو فتح باب الحوار والمصارحة مع المتربّي لكلِّ الشبهات، والمبادرة في ذلك وعدم تأخيرها لخطورة هذا الأمر، وحتَّى لا يتفاقم الأمر عند المتربّي ويصل إلى مرحلة اللاعودة أو الجدال الدائم الذي لا طائل منه ويفقده الصف أو يفقد هو الصف، وكذلك على المربّي دائماً أن يتابع أفكار المتربين، وما طرأ عليه من تغيير، وذلك بفتح العديد من الموضوعات للنقاش وملاحظة الآراء التي تلقى، ومن هنا يستطيع المربّي أن يضع يده على الخلل إن وجد، وعليه القيام بالرد والإصلاح.
فضلاً عن ضرورة المبادرة إلى تحصين الأفراد بالمعلومات التي تعصمهم من الانزلاق في الشبهات، وكذلك ضرورة إدخال تاريخ المؤسسة وقيادتها كجزء من المنهج التربوي، وعلى المؤسسة أيضاً أن تقوم هي وقادتها بالرد على الشبهات التي يعرضها الإعلام بشكل عام ولا تترك فقط للاعتماد على رد أفراد المؤسسة كل حسب فهمه، ويتبع هذا الأمر أيضاً أن تقوم المؤسسة بإنتاج إصدارات تحمل كلّ ما يحتاجه الأفراد للرد على الشبهات المثارة، والتي قد تتأثر في المستقبل، والاهتمام داخل المؤسسة بإكمال المنهج التربوي للفرد وعدم التعجل في ترشيحه بسبب بروز بعض الصفات الإيجابية فيه.