روتينية العلاقة في المحضن التربوي

الرئيسية » بصائر تربوية » روتينية العلاقة في المحضن التربوي
روتينية العلاقة

العمل الدَّعوي الناجح هو الذي يسيطر على أعضائه الرابط الإيماني القوي الذي يقوم على منهج الله، وتتآلف فيه القلوب، وتصبح العلاقة بين أعضائه أخوية يكتمل بها إيمان المرء، حيث إنَّ الأخوة في الله صفة ملازمة للإيمان، إذ لا أخوة دون إيمان ولا إيمان دون أخوة؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، [الحجرات:10]، وبذلك تتميز دائماً المحاضن التربوية داخل العمل الدعوي.

ولكن دائماً ما تأخذ بعض المحاضن التربوية الطابع الروتيني، وتتحوّل مشاعر الأخوة إلى علاقة جافة روتينية أشبه بعلاقة الموظفين داخل العمل، تغلب عليها السطحية وعدم الاهتمام بالآخر، وهو الأمر الذي يعيب المحضن التربوي، ويجعله غيرَ قادر على إتمام رسالته، الأمر الذي يتطلب التحرك سريعا لدراسة ظواهر وأسباب انخفاض مشاعر الدفء الأخوي بين المجموعة التربوية، والعمل على حلِّها.

مظاهر وأسباب الخلل

ومن أهم المظاهر التي تتيح للداعية التعرف على جوانب الخلل داخل المجموعة التربوية، ويكتشف بها تحول المحضن التربوي إلى لقاء عاديّ، والجميع يأتي إليه دون حرارة الشوق للقاء أعضائه، هو عدم معرفة أعضاء المجموعة بالتأصيل الشَّرعي لجوانب الأخوة في الله وأهميته منذ أن بدأت الرسالة المحمَّدية وإلى يومنا هذا، فالرسول صلَّى الله عليه وسلَّم أول ما وصل إلى المدينة بنى المسجد وآخى بين المهاجرين والأنصار.
العمل الدَّعوي الناجح هو الذي يسيطر على أعضائه الرابط الإيماني القوي الذي يقوم على منهج الله، وتتآلف فيه القلوب، وتصبح العلاقة بين أعضائه أخوية يكتمل بها إيمان المرء
وأيضاً الفتور الذي يسيطّر على الجميع  في السَّلام والترحيب، وعدم طغيان مشاعر المحبة بين الأعضاء، بالإضافة إلى اقتصار رؤية الأعضاء بعضهم البعض للقاء الأسبوعي، وعدم التواصل على مدار الأيام سواء من خلال الهاتف أو الزيارة، فضلاً عن عدم الاهتمام المتبادل بالظروف الحياتية لكل فرد في المجموعة كعمله، أو السؤال المتواصل عنه أو الوقوف بجانبه في أوقات المحن أو عيادته في مرضه، بل يتطوّر الأمر أحياناً إلى عدم التقدم للمساعدة، إذا ألمَّ بأحد أفراد المجموعة  مصيبة أو محنة.

ولعلَّ من الأسباب التي تدفع ببعض المجموعات إلى الوصول إلى هذا المستوى التربوي المخل، هو تراجع مستوى التربية داخل الهيئة خاصة التربية الإيمانية والأخوية، وضعف البرامج التجميعية بين الأفراد داخل الهيئة التربوية، والتي تشكل رافعة إيمانية للجميع لتوثيق عرى الأخوة والمحبة والترابط وتشكيل بنيان مرصوص يشد بعضه بعضاً، وغلبة الاهتمام بالجوانب السياسية والحركية على الجوانب الأخوية،  فضلاً عن غياب النماذج البارزة التي تشكل أمثلة يحتذى بها داخل العمل الدعوي.

إضافة إلى عدم الاهتمام بوضع جانب الأخوة وتأصيله في منهج الهيئة للمحضن التربوي، وهو ما يجعل الكثيرين يجهلون أهمية الأخوة في نجاح العمل الدعوي، وقلة البرامج الإيمانية في منهاج المؤسسة، وغلبة الجانب الإداري التنفيذي على الجانب الإيماني، وكثرة دخول العناصر الضعيفة إلى الهيئة التربوية، وقلة اللقاءات الإيمانية الأخوية خارج نطاق العمل الإداري، وكثرة تنقلات أفراد المؤسسة بين أقسامها ممَّا لا يتيح لهم بناء علاقة أخوية لقلة مدّة الاحتكاك، وعدم القيام بواجب الأخوة وضعف القيام بها، وعدم التوافق في الطبيعة البشرية، واختلاف الهمم في التحرّك في الدعوة والاختلاف في التوافق في العمل الدعوي، وجفاف الطبع والجهل بطرق كسب القلوب.

وسائل للعلاج

العمل الأهم داخل الهيئة التربوية لتقوية أواصر الأخوة بين أبنائها، عن طريق التركيز على الأعمال الجماعية لضمان الاحتكاك بين الأعضاء، عن طريق عمل المعسكرات الطويلة، أو المبيت بشكل دوري في مكان واحد

ولأنَّ الأخوة في الله لا يعبَّر عنها بكلمات جوفاء، وإنما هي سلوك وعمل قلبي وظاهري، فلذلك لابد من حل تلك المشكلة بجوانب عديدة منها الإيماني وداخل المحضن التربوي، وتأصيلي لتلك الفضيلة، لأنَّ غيابها من حياة الدعاة سيؤدي حتماً إلى غيابها من حياة المدعوين، وهو ما سيؤثر تباعاً على الهيئة التربوية وترابطها، ولذلك لابدَّ من رفع الجانب الإيماني بين الأفراد وتبيان أنَّ أوثق عرى هذا الإيمان هو الحب في الله، وأن يتقرب العبد إلى الله بالحبّ في الله.

وبجانب رفع الجانب الإيماني، يأتي العمل الأهم داخل الهيئة التربوية لتقوية أواصر الأخوة بين أبنائها، عن طريق التركيز على الأعمال الجماعية لضمان الاحتكاك بين الأعضاء، عن طريق عمل المعسكرات الطويلة، أو المبيت بشكل دوري في مكان واحد، وبجانب تجميع الأعضاء مع بعضهم البعض يتم التركيز في الحديث عن الجانب الأخوي والتنبيه باستمرار عليه، وكذلك الاهتمام بإفراد مساحات كبيرة له في المناهج، والاتفاق بين أعضاء المحضن التربوي على ترجمة المعاني والأفكار النظرية لتعميق الأخوة إلى أشياء عملية كتفعيل الزيارات بين الأعضاء أو الاتصال المتواصل.

وعلى المربين دائماً أن يسعوا إلى ضبط  اللجان الإدارية دوماً بالضوابط الإيمانية والأخوية حتى لا تتغلب الإداريات عليها، وكذلك أيضاً في الأمور السياسية والنقاشات، ولا يترك الباب للجدال الذي لا يسبب إلاَّ قسوة في القلب أو الشقاق بين الأخوة.

وفي كتابه عن المشكلات داخل الحقل الدعوي يرى الأستاذ عبد الحميد البلالي أنَّه من وسائل حلّ تلك المشكلة هو الاختيار المناسب للمسؤول الذي تكون أولى مهامه ربط العناصر بعضها مع بعض وإشاعة روح المحبة بينهم، كما فعل الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم عند دخوله المدينة، وكذلك التهادي بين الأعضاء لتعميق روابط الأخوة، وإجراء بعض الدورات في فن التعامل والترحيب، وأن تكون الأخوة جزءاً من المنهج القرآني للمؤسسة، والعمل على بثّ بعض العناصر الإيمانية التي توقظ وتؤلف بين الأعضاء، حتى وإن كانوا ضعفاء في الإنتاجية، وأيضا تضييق الهوة بين فترات التقييم حتَّى يتم استدراك ما يمكن استدراكه.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …