الإسلام.. منهج شمولي يناسب كل البيئات والعصور

الرئيسية » بصائر الفكر » الإسلام.. منهج شمولي يناسب كل البيئات والعصور
شمولية الاسلام

"لا دين في السياسة ولا سياسة في الدين" يسعى العَلمانيون ودعاة التغريب إلى تكريس هذا المفهوم لإقصاء الدين عن أمورنا الحياتية، مستظلين بالعديد من الادِّعاءات، فأقلهم غلواً يرون ضرورة الابتعاد بالدين عن معترك السياسة التي تتسم بالتلون وغياب المبادئ، وأكثرهم تطرّفاً يرون أنَّ الإسلام لم يعد صالحاً لزماننا هذا، وبين هذا وذاك من يختزل الإسلام في مجرَّد شعائر دينية تؤدى في انعزالية تامة عن حياتنا اليومية

وتعدُّ هذه القضية من أكبر الجدليات لدى دعاة هذا الفكر وبين أصحاب المنهج الإسلامي الذين يؤمنون بأنَّ الأمة لم تفقد عزتها ومكانتها بين الأمم إلاَّ عندما جعلت الإسلام قاصراً على المسجد. وتمّ بذلك الفصل بين الدين والحياة؛ إذ يؤمنون بأنَّ الإسلام دين ينظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، يقول تعالى في محكم كتابه : {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ}. [النحل:89]. ويقول سبحانه : {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}. [الأنعام:38].

لم يوصف صحابة رسول الله بأنهم رهبان بالليل وفرسان بالنهار إلاَّ لنجاحهم في تحقيق ذلك الرَّبط بين تكاليف الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وغيرها، وبين التكاليف الاجتماعية التي تظهر آثارها في واقع الناس.

مفهوم الشمولية
والشمولية في اللغة تعنى الاحتواء والتضمين، وشمله بمعنى احتواه وعمَّه وتضمنه، فيما تعني "شمولية الإسلام" احتواء وتضمّن رسالة الإسلام لكل ما يمكن أن يحتاجه الإنسان، شرط أن يحسن فهم مضمون ومقاصد الرسالة.
-
وفى الشرع تعني الإيمان بقول الله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ}، وبقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}. [الأنبياء :107].
ومن ثم المقصود بالشمولية هنا: القواعد والقوانين والنظم التي تنظم حياة الفرد والأسرة والمجتمع والأمة، ولعلَّ صحابة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لم يوصفوا بأنهم رهبان بالليل وفرسان بالنهار إلاَّ لنجاحهم في تحقيق ذلك الرَّبط بين تكاليف الشعائر التعبدية من صلاة وصيام وغيرها، وبين التكاليف الاجتماعية التي تظهر آثارها في واقع الناس.
مرض الأمة
ويرى العديد من مفكري الحركة الإسلامية أنَّ الخلل في فهم حقيقة الإسلام هو لب المرض الذي أصاب هذه الأمَّة التي لم تدرك حقيقة شمولية الإسلام، كشرع سماوي أراد الله سبحانه أن يفي بحاجات البشرية طوال تاريخها وفي جميع البيئات باختلاف ثقافاتها وتنوعها، حيث وضع الإسلام القواعد الكلية والأصول العامة التي من شأنها أن تستوعب المكان والزَّمان، ولم يتطرَّق لجميع جزئيات الحياة وتركها لاجتهادات الإنسان حسب حاجات عصره؛ حيث يقول صلَّى الله عليه وسلم معلِّماَ أصحابه: "إن كان أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإليّ"[ رواه أحمد في المسند].

الحركات الإسلامية والشمولية
وتعدُّ الحركات الإسلامية، وعلى رأسها أصحاب الفكر الوسطي، من أبرز من أصّل ودعا إلى فكرة شمولية الإسلام، فآمنوا بأنَّ أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة تنظم شؤون الناس في الدنيا والآخرة؛ فالإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف.
ويتميَّز أصحاب الفكر الوسطي بفهمهم الشمولي للإسلام، فلا يركزون على شعبة من الإسلام دون شعبة، ولا بعد دون بعد، بل يسلِّطون الأضواء عليها جميعاً، وبخاصة ما أهمله المسلمون، وعمل أعداء الأمَّة على إبعاد المسلمين عنها، ومن هنا انصبَّ اهتمامهم بالأبعاد التالية:
شعبة تتجه إلى النفس فتصلحها بالتزكية، وهذا هو البعد الإيماني. وشعبة تتجه إلى المجتمع فتصلحه بالعدالة، وهذا هو البعد الاجتماعي، وشعبة تتجه إلى الحكم فتصلحه بالشورى، وهذا هو البعد السياسي، وشعبة تتجه إلى النظم فتصلحها بالتشريع، وهذا هو البعد التشريعي، وشعبة تتجه إلى الحياة فتصلحها بالحضارة، وهذا هو البعد الحضاري.
أبعاد الشمولية

ولعلَّ البعد الإيماني هو أساس البناء، فالمجتمعات لا تصلح إلاَّ بصلاح الأفراد، والأفراد لا يصلحون إلا بصلاح الأنفس، والأنفس لا تصلح إلاَّ بالتزكية، فسنة الله في التغيير الاجتماعي، أن يسبقه تغيير نفسي عميق، يجعل الفرد كأنَّه إنسان جديد، حين تتغيّر أهدافه وآماله وحوافزه ومفاهيمه، ثم تأتي الشعبة الثانية، وهي المرتبطة بالمجتمع، حيث تقيم فيه العدل، وتزيل المظالم والبغي، وتعطي كلّ ذي حقٍّ حقه؛ فقد أعلن القرآن الكريم أنَّ إقامة العدل بين الناس هو هدف الرسالات السماوية كلِّها، {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}. [الحديد: 25]. وإن لم تقم الأمم بهذا الواجب، فهي معرَّضة لسخط الله وعذابه، ونقمته العامة التي تنزل بالجميع، فتصيب مرتكبي المنكرات، والساكتين عليها.

وأمَّا الشعبة الثالثة، فهي التي تقرّر الشورى قاعدة للحكم في الإسلام، وهي القاعدة الإسلامية الجليلة، التي عدَّها القرآن أحدَ مقوّمات المجتمع المسلم ووضعها بين الصلاة والإنفاق، وإذا كان النبيّ المؤيّد بالوحي مأموراً بالمشاورة فغيره أولى؛ فكان صلَّى الله عليه وسلَّم أكثر الناس مشاورة لأصحابه، فيما ينوبه من أمور، وطالما نزل عن رأيه إلى رأيهم، وخصوصاً إذا وجد الخبرة .

فيما تتجه الشعبة الرَّابعة إلى الأنظمة والعلاقات، فتصلحها بالتشريع الذي يحقِّق العدل، ويقيم الموازين القسط، فالشريعة الإسلامية تتسم بأنها شريعة ربانية، فالله تعالى خلق الإنسان، وهو أعلم بما يصلحه ويرقى به فرداً ومجموعاً، وهي شريعة إنسانية، لأنَّ الإنسان هو الذي يفهمها، وهو الذي ينفذها، ولأنَّ محورها ومبناها على رعاية مصالح الإنسان في المعاش والمعاد، وهي شريعة أخلاقية، مهمتها تقنين الأخلاق، والنظرة إلى الإنسان من حيث إنَّه مكلف، وهي شريعة واقعية تقدر دوافعه، وتراعي ضروراته، وترعى حاجاته، ولا تغفل الأعذار الطارئة، والأحوال الاستثنائية، والظروف المخففة، وهي شريعة منطقية، فهي لا تجمع بين مختلفين، ولا تفرِّق بين متماثلين، وهي شريعة خالدة متجدّدة معاً، تجمع بين الثبات والمرونة، وهي متجدِّدة في فروعها وجزئياتها، لأنَّ الله تعالى أودع فيها من عوامل السعة والمرونة، ما يجعلها صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.

للاستزادة:
-
الشمولية في الإسلام (رهبان بالليل فرسان بالنهار)- د. وليد أحمد فتيحي، جريدة عكاظ العدد 21 سبتمبر 2010.
-
قيم تربوية في دائرة الضوء – د . إبراهيم الديب
-
الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي والإسلامي- د.يوسف القرضاوي

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …