هل علمت أنَّ الله غفَّار للذنب؟

الرئيسية » بصائر نبوية » هل علمت أنَّ الله غفَّار للذنب؟

خاص - بصائر

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : (( أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لي ذنبي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عبدي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ : أي رَبِّ اغْفِرْ لي ذنبي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عبدي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أي رَبِّ اغْفِرْ لي ذنبي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عبدي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ )).[رواه البخاري ومسلم].

شرح الحديث :
قال الإمام القرطبي : (يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار، وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الإصرار، ويحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة ويشهد له حديث خياركم كل مفتن تواب ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة، فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال: استغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية، فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار).
وقال الإمام النووي في شرح الحديث : ( لو تكرَّر الذنب مئة مرَّةٍ أو ألف مرَّةٍ، أو أكثر، وتاب في كلِّ مرة قبلت توبته وسقطت ذنوبه ولو تاب عن الجميع توبة واحدة بعد جميعها صحت توبته).
وقال الإمام ابن بطال: (إنَّ المصرَّ على المعصية في مشيئة الله تعالى إن شاء عذَّبه وإن شاء غفر له مغلِّبا الحسنة التي جاء بها، وهي اعتقاده أنَّ له ربّاً خالقاً يعذبّه ويغفر له، واستغفاره إيّاه على ذلك يدل عليه قوله : {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} ولا حسنة أعظم من التوحيد، فإن قيل : إنَّ استغفاره ربّه توبة منه ؟ قلنا : ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة، وقد يطلبها المصر والتائب ولا دليل في الحديث على انه تائب ممَّا سأل الغفران عنه لأنَّ حدَّ التوبة الرجوع عن الذنب والعزم أن لا يعود إليه والإقلاع عنه، والاستغفار بمجرده لا يفهم منه ذلك).
قال الإمام ابن قيّم الجوزية: (إن هذا خطاب لقوم قد علم الله سبحانه أنهم لا يفارقون دينهم بل يموتون على الإسلام وأنهم قد يقارفون بعض ما يقارفه غيرهم من الذنوب ، ولكن لا يتركهم سبحانه مصرين عليها ، بل يوفقهم لتوبة نصوح واستغفار وحسنات تمحو أثر ذلك ، ويكون تخصيصهم بهذا دون غيرهم ، لأنه قد تحقق ذلك فيهم وإنهم مغفور لهم ، ولا يمنع ذلك كون المغفرة حصلت بأسباب تقوم بهم كما لا يقتضي ذلك أن يعطلوا الفرائض وثوقًا بالمغفرة ، فلو كانت قد حصلت بدون الاستمرار على القيام بالأوامر لما احتاجوا بعد ذلك إلى صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد وهذا محال ، ومن أوجب الوجبات التوبة بعد الذنب فضمان المغفرة لا يوجب تعطيل أسباب المغفرة).
وقوله صلَّى الله عليه وسلَّم : (( قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء )) ليس في فيه إطلاق وإذن منه سبحانه له في المحرَّمات والجرائم، وإنَّما يدلُّ على أنَّه يغفر له ما دام كذلك إذا أذنب وتاب، واختصاص هذا العبد بهذا، لأنه قد علم أنه لا يصر على ذنب، وإنه كلما أذنب تاب، حكم يعمُّ كل من كانت حاله حاله، لكن ذلك العبد مقطوع له بذلك ، كما قطع به لأهل بدر، وكذلك كلّ من بشرَّه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالجنَّة أو أخبره بأنَّه مغفور له لم يفهم منه هو ولا غيره من الصَّحابة إطلاق الذنوب والمعاصي له ومسامحته بترك الواجبات، بل كان هؤلاء أشد اجتهادًا وحذرًا وخوفًا بعد البشارة منهم قبلها، كالعشرة المشهود لهم بالجنة، فقد كان الصديق شديد الحذر والمخافة، وكذلك عمر، فإنهم علموا أنَّ البشارة المطلقة مقيدة بشروطها والاستمرار عليها إلى الموت ومقيدة بانتفاء موانعها، ولم يفهم أحدٌ منهم من ذلك الإطلاق الإذن فيما شاؤوا من الأعمال).

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

التحذير من علماء السُّوء !

عنوان هذا الموضوع هو اسم لكتاب ألفه الحافظ أبو الفتيان الدّهستاني، الرَّوَّاسيّ؛  عمر بن محمد …