إنَّ من ميِّزات وخصائص شريعتنا الغرّاء، أنَّها يسرت للناس سبلاً عدة للتخلص من الذنوب، ورفع الدرجات، وتجاوز السيئات، فهي تعلم أنَّ النفس البشرية قد تضعف أمام كيد الشيطان ومغريات الدنيا، فترتكب الذنوب والمعاصي، فكان لابدَّ من تطهيرها، لتسمو ولترتقي ولتتجاوز عمَّا وقعت فيه.
ولهذا شرعت للمسلم التوبة، للتخلص من تلك الذنوب، ولمحو سيئاتها، وللانتصار على ضعف نفسه أمام مكائد الشيطان.
فالتوبة أمر الله بها الله تعالى في أكثر من آية:
- فقال سبحانه: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا} [النور :31 ].
- وقال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا} [التحريم :8 ].
- وقال تعالى : {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة :74].
بل إنَّ الله قد وعد بقبول التوبة إذا صدرت من عباده، فقال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ} [الشورى :25 ].
وقد فتح الله سبحانه لعباده باب التوبة والأمل والرجاء بمغفرة الذنوب والتجاوز عن الأخطاء، فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر :53].
بل نجد رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، يدعو إلى فعل التوبة لأهميتها وأثرها في حياة المسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: (( والله إنِّي لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)). [رواه البخاري].
ويقول في موضع آخر: (( إنَّ الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)). [رواه مسلم].
التوبة : أن يقلع المسلم عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل، ثم إن كان لآدمي حقّ ردَّه إليه.
لكن قد يسأل البعض، ما المقصود بالتوبة؟
وفي إجابة مختصرة، نقول : هي أن يقلع المسلم عن الذنب في الحاضر، ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على أن لا يعود إليه في المستقبل، ثم إن كان لآدمي حقّ ردَّه إليه.
وبهذا تتضح أركان التوبة الرئيسية وهي:
1- الندم على الذنب الذي ارتكبه المسلم في السابق. وكيف تستقيم التوبة دون ندم على تلك المعصية؟ فالندم هو أول منازل التوبة، وهو الوقود الذي يجعل التوبة مستمرة، ذات أثر كبير وتغيير ملموس في طبيعة النفس وتزكيتها.
2- الإقلاع عن الذنب في الحاضر. لأنَّه لا يتصوّر وجود توبة حقيقية وصادقة والمرء ما زال يقوم بالمعصية ويمارسها ويرتكبها.
3- العزم على العودة إليها في المستقبل. فالتوبة لا تعدُّ صادقةً إذا كان المرء قد تاب لعجزه عن القيام بتلك المعصية، مع عزمه على القيام بها في المستقبل. والأصل أن يكره المرء هذا الفعل، ويعزم على عدم العودة إليه؛ لأنَّ التوبة تعني ترك هذا العمل نهائياً.
4- إرجاع الحقوق لأصحابها، فلو كان مالاً فعليه أن يعيده إليه، وإن اغتابه أو سبَّه فعليه أن يطلب المسامحة منه.
والأصل في المسلم أن لا يؤخر التوبة، لأنَّه لا يعلم متى يحين أجله، وعندها لا ينفع الندم. وقد كان السلف رحمهم الله يحثُّون المسلمين على التوبة والعودة إلى الله.
فهذا عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : ( لا يزال العبد في مهل من التوبة مالم يأته ملك الموت يقبض روحه، فإذا نزل ملك الموت فلا توبة حينئذٍ).
وقال أبو بكر الواسطي رحمه الله: (التأني في كلِّ شيء حسن إلاَّ في ثلاث خصال: عند وقت الصلاة، وعند دفن الميت، والتوبة عند المعصية).