يقول الله تعالى :{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنْصَرُونَ}. [الزمر:53-54].
يقول سيِّد قطب رحمه الله في الظلال: "إنَّها الرحمة الواسعة التي تسع كلّ معصية، كائنة ما كانت وإنها الدعوة للأوبة ، دعوة العصاة المسرفين الشاردين المبعدين في تيه الضلال. دعوتهم إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله، إنَّ الله رحيم بعباده، وهو يعلم ضعفهم وعجزهم، ويعلم العوامل المسلطة عليهم من داخل كيانهم ومن خارجه، ويعلم أنَّ الشيطان يقعد لهم كل مرصد، ويأخذ عليهم كل طريق، ويجلب عليهم بخيله ورجله، وأنه جاد كل الجد في عمله الخبيث! ويعلم أنَّ بناء هذا المخلوق الإنساني بناء واه، وأنَّه مسكين سرعان ما يسقط إذا أفلت من يده الحبل الذي يربطه والعروة التي تشده، وأن ما ركب في كيانه من وظائف ومن ميول ومن شهوات سرعان ما ينحرف عن التوازن فيشط به هنا أو هناك؛ ويوقعه في المعصية، وهو ضعيف عن الاحتفاظ بالتوازن السليم"
يعلم الله سبحانه عن هذا المخلوق كل هذا فيمد له في العون؛ ويوسع له في الرَّحمة؛ ولا يأخذه بمعصيته حتى يهيّئ له جميع الوسائل ليصلح خطأه ويقيم خطاه على الصراط. وبعد أن يلج في المعصية، ويسرف في الذنب، ويحسب أنه قد طرد وانتهى أمره، ولم يعد يقبل ولا يستقبل، في هذه اللحظة لحظة اليأس والقنوط، يسمع نداء الرحمة الندي اللطيف: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}
وليس بينه وقد أسرف في المعصية، ولج في الذنب، وأبق عن الحمى، وشرد عن الطريق ليس بينه وبين الرحمة الندية الرخية، وظلالها السمحة المحيية، ليس بينه وبين هذا كله إلاَّ التوبة، التوبة وحدها، الأوبة إلى الباب المفتوح الذي ليس عليه بواب يمنع، والذي لا يحتاج من يلج فيه إلى استئذان: {وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} [الزمر:54].
ولتحقيق الإنابة الصَّادقة والعودة الحقيقية إلى الله سبحانه، نضع بين يديك أخي المسلم جملة خطوات العملية في طريقك إلى التوبة النصوح والثبات عليها ، فما عليك إلاَّ أن تبدأ، فالطريق من هنا:
1- اجلس مع نفسك، واختر المكان المناسب لك؛ قد يكون ذلك في حجرة، أو اجلس في مسجد من المساجد، بعيدًا عن جو الدنيا، أو اجلس في حديقة عامة، حيث الخضرة والهواء الطلق، والهدوء بعيدًا عن زحمة العمل أو البيت.
2- أحضر معك قلمًا وورقًا، وسطر بيديك ذنوبك، قسِّمها إلى كبائر وصغائر، وأحصها جيّدًا، فالإحصاء جيّد لمعرفة كم الذنوب التي يقترفها الإنسان.
3- ابدأ بذنب واحد، وضع خطة للتخلص منه.
4- انظر ما الذي يدفعك إلى فعل الذنب، فقد يكون الفراغ، أو شهوة النفس، أو أصدقاء السوء، أو غير ذلك؛ فمعرفة الدافع للفعل تساعد كثيرًا على التخلص منه، أو استثماره بشكل أفضل.
5- ضع جدولا زمنيّاً، واجعل التغيير مرحليًّا، لا تتعجل وتجهد نفسك للتخلص من كل الذنوب، فربما كان في الإسراع إنهاء لمشروع التوبة، لا تكن كمن يجري بسرعة، ويظل يجري، فإذا به يقع على الأرض؛ فلا ظهرًا أبقى، ولا أرضًا قطع.
6- قسم التخلص من الذنوب على جدول زمني، انظر كم يومًا يمكن لك أن تتخلص فيه من الذنب، ربما يكون في شهر أو أكثر، وربما يكون في أقل.
7- قسِّم الجدول الزَّمني إلى أسابيع وأيام.
8- اجعل الجدول الزمني في حقيبتك، أو حافظتك، وتابع القدر اليومي للتخلص من الذنب.
9- لا تنَم حتى تنظر في جدولك، وضع علامة على تحقق القدر اليومي، فإن لم تكن حققته، فخذ هذا القدر مع القدر اليومي لليوم التالي.
10- أعطِ نفسك درجات في تحقق القدر اليومي، وتابع بشدة.
11- ادعُ الله كلَّ يوم أن يتوب عليك.
12- ابتعد عن كلِّ ما يعوقك عن التوبة.
13- كافئ نفسك عن كلِّ تقدم في التوبة إلى الله.
14- استشعر نداء الله لك بالتوبة: {وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
15- استشعر فرحة الله تعالى بتوبتك، ألا يستحق خالقك أن تفرحه بالعودة إليه؟
16- ابدأ في النظر إلى الذنب الثاني، وطبق جدول العلاج فيه أيضًا. واصدق النية لله تعالى، يتب عليك ويهدِك إلى توبة نصوح.
وفقنا الله وإيَّاكم إلى التوبة والثبات عليها، إنَّه سميع مجيب الدعاء.
---------------------------------------
ملاحظة :
الخطوات العملية من إعداد الباحث مسعود صبري.