خاص – بصائر
مع كلِّ حراك سياسي يشارك فيه الإسلاميون يكثر الحديث عن التغيير والإصلاح، وعندما تمارس بعض الأنظمة العربية سطوتها، وتضرب بالديمقراطية والمؤسسات الشرعية عُرض الحائط، يلوح في الأفق الحديث عن ماهيات تحقيق الإصلاح والتغيير، كما تظهر في الخافق بعض القضايا الجدلية، فيتساءل البعض : ألم يحن للحركات الإسلامية ذات الشعبية الجارفة في العالم العربي أن تغيّر من أسلوب تعاطيها مع ملف التغيير؟!، لماذا لا تكون الثورة والانقلاب أحد قناعات الحركة الإسلامية؟!.
((بصائر)) التقت المهندس خالد البلتاجي؛ أحد قيادات الحركة الإسلامية بمصر، الذي أكَّد لنا أنَّ الحركة تؤمن بالتغيير الشَّامل الذي يعتمد بشكل أساس على تغيير المجتمع، لكي يكون مؤهلاً للقبول بالمنهج الإسلامي، لافتاً في حواره مع موقع "بصائر" إلى أنَّ الحركة الإسلامية تريد دولة يكون الشعب جزءاً من تكوينها، والحكومة أداة لتنفيذ طموحاته، مشدِّداً على أنَّ التغيير الشامل لن يتحقَّق إلاَّ إذا كان هناك شعبٌ يدعمه.
وفيما يلي نص الحوار:
بصائر: بدايةً، تمرّ المنطقة بتحولات فكرية وسياسية على مستوى الأنظمة والشعوب، تفرض على الساحة الحديث عن التغيير والإصلاح، وآلية تحقيقهما.. حدِّثنا عن منهج الإصلاح والتغيير الذي تؤمن به الحركة الإسلامية؟
البلتاجي: التَّغيير الذي نؤمن به يقوم على بناء وتكوين شعب متديّن، لديه استعدادٌ لحمل تكاليف الرِّسالة، فبدون تكوين هذا الشعب لن يكون هناك التَّغيير الحقيقي أو الكامل الذي تريده الحركة الإسلامية، والتَّغيير السياسي الذي يطلبه البعض جزءٌ من التغيير، فالإخوان يريدون تغييراً شاملاً يعتمد على تربية المجتمع بما فيه البعد السياسي، والأخير لن يتحقَّق إلاَّ إذا تغيَّر المجتمع، وهذا لا يمنع بالطبع سعي الحركة لتحقيق التغيير السياسي الجزئي في بعض جوانب الحكم، فهو يسير جنباً إلى جنب مع نهوض المجتمع وتطور صفاته للأفضل.
بصائر: لكن، ألا تعتقد أنَّ رهن الحركة تحقيق الإصلاح والتغيير بتغير المجتمع يجعل من المستحيل تحقيق هذا الإصلاح؟
البلتاجي: هذا كلام غير سليم، فمن يرى ذلك نظرته قاتمة، ونحن كمسلمين الأصل عندنا أننا حركة عقائدية، نفعل ما طلبه الله، والنتائج لسنا مطالبين بها، وهذه عقيدة، فنحن مكلَّفين من قبل الله تعالى، ونسعى للإصلاح والتغيير الشامل للمجتمع والحكومة، والله سبحانه وتعالى سوف يأذن في الوقت الذي يريده، فكما يقول الإمام الشهيد حسن البنا: (نحن ستار للقدرة ونأخذ عليها الأجرة)، حتى لو استمر هذا الأمر أحقابا من الزمن، وهناك أمثلة للأنبياء طال بهم الزَّمن لأوقات طويلة، فالهدف هو القيام بالتكليف المطلوب ولسنا معنيين بالنتيجة، فنحن كمن يسعى للرِّزق وبذل بالمجهود ليكون ميسوراً، وأخذ بكل الأسباب إلاَّ أنَّ الله أعطاه على قدر محدود، فهذه إرادة الله، وما نسعى إليه هو تغيير الشعب وليس تغيير الحكم، (كيفما تكونوا يول عليكم)، ولو أقمت حكماً على شعب لا يدرك أبعاد هذا الحكم سنواجه حينها العديد من المشكلات، فإن لم يكن الشعب لديه استعداد لتحمّل التكاليف والضريبة سوف تفشل تجربة الحكم الإسلامي، وإذا كنا ننادي الساسة والقادة والحكومات بالإصلاح، فهذا نوع من الإصلاح الجزئي.
بصائر: لكن هناك قناعة لدى الكثيرين، من خلال العديد من التجارب، تجزم بأنَّ تغيير الحكم أسرع سبل الإصلاح؟
البلتاجي: تغيير رؤوس الحكم قد يكون أسرع، لكن لا يغيّر جذرياً، فربما يأتي نظام حكم للإسلاميين، ولا يتفاعل الشعب معهم، ولا يقتنع بمنهجهم، فسوف يتغيّر الحكم الإسلامي، ويأتون بحكم آخر، ونكون قد قدمنا نموذجاً فاشلاً للحكم، فنحن نريد دولةً الشعب جزءٌ منها، وأساس لتكوينها والحامل الحقيقي لهمومها، وجهاز الحكم فيها هو المنفذ، إضافة إلى ذلك فإن دولة مثل مصر على سبيل المثال، التغيير فيها (مش لعب)، وإنَّما تغيير كوني، فالقوى العالمية المتحكمة في العالم لن تسمح بالتغيير بسهولة، لأنَّ مصر الدولة الرئيسية الرائدة للأمة الإسلامية رغم تردّي أوضاعها، فلا زالت مصر -لا الحكومة- ذات صوت مسموع، والجميع ينظر إليها على أنها الرقم الأول في مواجهه الكيان الصهيوني، وبالتالي لا يمكن أن يتصور أحد أن التغيير الذي حدث في بعض الدول لن يتم في مصر إلاَّ إذا كان هناك شعب قويٌّ يسانده، وإذا اعتقدنا أنَّه سيحدث بمجرَّد مناورات سياسية فهذا وهمٌ، فإذا رضخ النِّظام لن ترضخ القوى العالمية، والحركة الإسلامية يصعب عليها الدخول في مواجهة مع القوى العالمية، إلا إذا تترَّست بشعوبها، وبالتالي لابدَّ من شعب يتحمَّل مسؤولية التغيير.
بصائر: هل معنى كلامك أنَّ الشعوب لديها قدرة على مواجهة القوى الغربية؟
البلتاجي: نعم يستطيع، فسوف يصمد الشعب أمام الضغوط الخارجية من أجل تنفيذ إرادته، وهذه سنة الله، وشهادة التاريخ، أما إذا كانت الحركة مجرَّد بديل أو برنامج، فإنَّ التغيير سيزول بسرعة.
بصائر: برأيك هل نجحت هذه الصورة "الأفلاطونية" في التغيير في التحقيق خلال العصور التاريخية؟
البلتاجي: مواجهة قطز وصلاح الدين للتتار والصليبيين لم تكن وليدة اللحظة، وإنَّما كان هناك رصيد تربوي يعمل في مصر، فكان للائمة الشيخ أبي حامد الغزالي، والعزّ بن عبد السلام، وابن تيمية دورٌ رئيسٌ في تربية المجتمع وتأهيله للجهاد مع قطز وصلاح الدين في مدد طالت لعشرات السنين، فالتفاعلات التي كانت في المجتمع أفرزت في النهاية معارك عين جالوت وحطين، وكان من الممكن وقتها أن يقول الناس وقت الاحتلال الصليبي لبيت مقدس والتتاري للمنطقة الإسلامية: إنَّه ليس هناك فائدة.
ونعود نقول كون أنَّ التاريخ لم يعرض تجربة كاملة للتغيير، إلاَّ أننا نستقي تجربتنا من القرآن والسنة، فالصَّحابة أقاموا دولة بتربية مجتمع في المدينة المنورة تحمل الرِّسالة وواجهوا الظلم.
والحقيقة أنَّ اختزال مشروعنا في الوسائل والمدافعات السياسية للتغيير "وهم"، ولهذا لا يلجأ الإخوان إلى مواجهة نظام الحكم.
بصائر: لماذا يرفض الإخوان الثورة على الظلم؟
البلتاجي: لأنَّ التغيير لابد أن يكون منظَّماً، والثورة عبارة عن انفجار، وربَّما لا تأتي بنتيجة إيجابية، وهذا قناعة سياسية وليست عقائدية.
بصائر: طالما أنَّ الموقف من الثورة ليس عقائدياً، فإن لم تثر الحركة الإسلامية على الظلم والفساد، فمتى تثور؟؟
البلتاجي: الشعب لم يصل حتى الآن إلى مرحلة الوقوف بجوارك، ومن الوهم أن نقول: إننا نستطيع فعل هذا الآن، ولو أنَّ الشعب نزل الشارع بشكل منظَّم فهذه ليست ثورة، فنحن نرفض الثورة التي يعقبها تدمير، والألوف التي ماتت في ثورة فرنسا، من المسؤول عنها؟ فهذا شكل لا يرضاه الإسلام، يقول صلى الله عليه وسلم: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))، وفي حجة الوداع قال صلَّى الله عليه وسلم: ((ألا إنَّ دماءكم عليكم حرام))؛ فإراقة دم مسلم أثقل عند الله من السموات.
نحن أصحاب رسالة، ولا نسعى للحكم أو التخريب، بل نسعى بشكل واعٍ للإصلاح الشَّامل، وهذا ليس معناه أنَّ النزول للشارع خطأ.
بصائر: على ضوء فهمكم للتغيير والإصلاح، كيف تقرأ مشهد الحسم العسكري الذي قامت به حركة المقاومة الإسلامية "حماس" ضد حركة فتح في غزة؟
البلتاجي: قبل عام 2006م، كانت حركة حماس تمتلك من القدرة العسكرية ما يؤهلها للقيام بعملية الحسم، فكان لديها قدرة عسكرية تفوق "فتح"، ولم تقم بهذا، رغم أنَّها اختلفت كثيراً مع الفتحاويين، الذين مارسوا ضدهم أبشع أنواع القتل والتعذيب، وبعد عام 2006م، وفوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية، اختلف الموقف، فأصبحت "حماس" حكومة منتخبة انتخابات حقيقية، فيما حاول البعض المتنفذ من حركة فتح عرقلة عمل الحكومة، وإقصاء حركة حماس عن الحكم، وإفشال تجربتها، وتشويه سمعتها، إلى أن وصل الأمر بهم إلى محاولة الانقلاب العسكري على "حماس"، وهو ما نشرته بالتفصيل مجلة "فانتي فير" الأمريكية، ممَّا اضطر حكومة السيِّد إسماعيل هنية إلى القيام بالحسم العسكري من أجل الصالح العام، ولحماية مشروع المقاومة للاحتلال الصهيوني، فكان طبيعياً أمام تعنت "فتح" أن تقوم حركة حماس بهذه الخطوة الاضطرارية.
بصائر: هناك اتهام يوجَّه للحركة الإسلامية بأنَّ منهجها في التغيير والإصلاح، يمثل صمَّامَ أمان للأنظمة، فما رأيك؟
البلتاجي: هناك حركات إسلامية رفعت سلاح ضد النِّظام، ماذا كانت النتيجة؟؟ بصرف النَّظر عن شرعية هذا التصرّف الذي يتحفَّظ عليه الإخوان من حيث الحكمُ الشرعي، فقد قتل المئات من الجانبين والجماعة نفسها شبه أبيدت، فضلاً عن كراهية الشعب لها، بل وتمَّ تشويه كل ما هو إسلامي، إضافة إلى تنامي استبداد النِّظام، نحن نؤمن بأنَّ طريقنا الحقيقي للتغيير هو الشعب، بتعبئته تعبئة إسلامية، حتَّى لا نقفز كمن يقفز من النافذة.