إذا الشعب يوماً أراد الحياة… – بقلم: الدكتور رحيّل غرايبة

الرئيسية » حصاد الفكر » إذا الشعب يوماً أراد الحياة… – بقلم: الدكتور رحيّل غرايبة
alt
من تمام قدر الله أن يكون صاحب هذا البيت من الشعر، شاعر تونس الشاب العظيم أبو القاسم الشابّي، الذي جذّر معنى الحرية في نفوس الأجيال، واستطاع الشعب التونسي أخيراً إنجاز المهمّة.
حقٌ علينا أن نفخر بالشعب التونسي؛ ليكون طليعة الشعوب العربية في التحرّر من الاستبداد والديكتاتورية المتحالفة مع الفساد وأصحاب المال والثروة، ليسجل صفحة عربية جديدة في سجل الشعوب المجاهدة من أجل الحرية والديمقراطية.
لقد سجَّل الشعب التونسي انتصاراً شعبياً مذهلاً، بزمن قياسي، وبطريقة سلميّة راقية ومتحضرة، ضد أحد أساطين الفساد والديكتاتورية العربية، والقبضة الأمنية الحديدية، والعصا الفولاذية في مقاومة قوى التحرر والاستقلال، وفي مواجهة قوى التحضر والنهوض الشعبية.
إنّ نجاح زين العابدين بن علي في إخماد أنفاس الشعب لمدة (23) عاماً، تحت مظلة محاربة التشدّد والتطرّف الإسلامي، وفي ظل رضى الدول الغربية عنه كونه نموذجاً ناجحاً في محاربة الإسلاميين ومحاربة القوى الحيّة في الشعب التونسي، يؤكّد هذا النَّجاح أنّه نجاح مؤقت، وأنّه نجاح مزيّف وخادع ومضلل، ولذلك فإنّه لم يستمر طويلاً، ولن يستمر في ظل إرادة شعبية حقيقية، وفي ظل وعي جماهيري عميق.
لقد كان سقوط (بن علي) سقوطاً مدويّاً، أمام مشهد الجموع الغاضبة الزاحفة نحو الانعتاق وكسر القيود وعلى مسمع العالم أجمع وهو يصغي إلى هتاف الحناجر القويّ الذي يدب الرعب في أوصال الطغاة ومصاصي الدماء: "اعتصام! اعتصام! حتى يسقط النظام!"
لقد استلم الشعب التونسي القيادة، وتسلم الرَّاية، في قيادة الشعوب العربية المضطهدة، التي تمّ تغييبها عن المشاركة في إدارة أوطانها، وتمّ مصادرة حقها في اختيار الحكومات وحقها في مراقبتها وتقويمها، وحقها في إدارة أموالها، وحماية مكتسباتها.
لقد ثبت للقاصي والداني، أنّ الانتخابات الشكلية، والديمقراطية المزيّفة ليست قادرة على خداع الجماهير وتضليل القوى الحيّة فيه، وأنّ الفوز بـ (90) من أصوات الجماهير تحت مطارق التزوير ومصادرة الحقيقة، والتفنن في حسبة الأرقام، كل ذلك لن يصمد أمام غضبة الجماهير الحرّة، عندما تنطلق في اللحظة المناسبة، وتكشف عورات الفاسدين والأفّاكين والأقلام المأجورة التي تزيّن أفعال الطغاة، وتدلس على المراقبين والمؤرخين داخلياً وخارجياً.
إنّ الشعب التونسي البطل أثبت حقيقة ناصعة بطريقة عمليّة واضحة، أنّ عملية التغيير والإصلاح عملية سهلة وبسيطة، تتمثل بإرادة جماهيرية حقيقية متحدة، تعرف هدفها بوضوح، وتشير نحوه بثقة، وجرأة، إنّ العملية تتلخص بخروج الجماهير من بيوتها لتحتلّ شوارع المدن ووقوفاً بلا سلاح ولا حجارة ولا عصي، وتهتف باستعادة حقها المسلوب.
ها هي المنطقة العربية التي بقيت عصيّة على الإصلاح والديمقراطية، تنطلق اليوم شرارة التغيير من تونس، تونس الحرية والاستقلال، لتشعل نار اليقظة في كلّ هشيم الطغاة الذين صمّوا آذانهم عن سماع أنّات المعذبين وصرخات الضعفاء واستغاثة الفقراء والمحرومين، كما صمّوا آذانهم عن سماع نصائح المخلصين ووصايا الصادقين والذكيّ من اتعظ بغيره، والجاهل من أتبع نفسه هواها.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

واليائس إذا سلك سبيل الأنبياء!

كاتبني أحدُ المكلومين: "ألا ترى أنّك تكتب عن الثبات وتباشير النصر، بينما لا يجد أحدنا …