نجاح الدعوات الإسلامية.. فتِّش عن التَّجرُّد!

الرئيسية » بصائر الفكر » نجاح الدعوات الإسلامية.. فتِّش عن التَّجرُّد!
CREATIVITY11

تعني كلمة التجرّد في الشَّرع؛ التجرّد لله تعالى عن كلِّ ما سواه، بأن تكون الحركة والسكون في السرّ والعلن لله تعالى.

والنّاس أصناف؛ أحدها يعمل الخير يبتغي بذلك الأجر العاجل، والمثوبة السريعة من مال أو مدح، ورجل يعمل لأنَّه يحب الخير لذاته، ويعلم أنَّ الدنيا لا يستقيم أمرها إلاَّ بالحق والخير {وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} ]العصر:1-[3.

ومن النَّاس قسم ثالث يودّ أن يأخذ من هذه وتلك، وقلَّما يستقيم له الأمر، فمما هو محسوم أنَّ من أراد الدنيا وحدها خسر الآخرة، ومن أراد الآخرة حازهما معاً، ومن خلط بينهما كان على خطر عظيم: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً} ]الإسراء:18-[19.

التجرّد عند الحركة الإسلامية

وضع الإمامُ الشهيد حسن البنا التجرّد كركن من أركان البيعة عند الإخوان المسلمين، واصفاً إيّاه بقوله : (أن تخلص لفكرتك مما سواها من المبادئ والأشخاص، لأنَّها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها: {صِبْغَةَ اللهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً} ]البقرة:[138).

ومن علامات التجرّد الحق أن يعيدَ الداعية (عندما يتجرّد لله) تقييمه للأشخاص والهيئات، وأن يزن كلّ شيء بميزان الدَّعوة، وأن يبتعد الداعية عن كلِّ سبب جاهلي.. وينحاز لكلّ سبب رباني إنساني، وأن يتَّهم نفسه باستمرار.. ويعرضها في كلِّ حادثة على الموازين السليمة، وأن يكون مستعداً لتقديم النفس وما يملك رخيصاً في سبيل الله.

سرّ النَّجاح..

ولعلَّ رصيد الدعَّوات الإسلامية، قد خلص إلى أنَّ طريقَ الدعوة واحدٌ لا يحتمل الشركة، فالدعوات لا تنجحُ ما لم يتجرّدْ لها المؤمنون، بحيث تملك الدعوةُ عليهم عقولَهم ومشاعرَهم، فلا شيءَ يعين الداعية على المحن في طريقه الشاق مثل التجردِ لله والإخلاصِ له: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}. ]الأنعام:162-.[163

وقد تجرَّد قلب الرَّسول صلَّى الله عليه وسلّم لله ولدعوته، وتجرّد للبلاغ، ثم رَبَّى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أصحابه على التجرّد لله، حتَّى خلت نفوسهم من حظ نفوسهم، وصار همُّهم كلّه أن يخلصوا العبادة لله، والعمل لنصر دينه ونشر رسالته، فلما علم الله منهم ذلك مكَّن لهم في الأرض، ونصرهم بفضله.

التجرّد والزّعامة..

ولعلَّ من الآفات التي تنال من أيّ حركة دعوية غياب قيمة التجرّد وسيطرة أمراض الزعامة والشهرة وحب الظهور على ألباب حملة الدعوة، ولذلك فإنَّ الحركات الدعوية في حاجة ماسة إلى القلوب المتجرّدة الموصولة بالله، التي لا تنظر إلى متاع دنيوي حقير زائل، ولا تعمل من أجل الزعامة أو القيادة أو الصدارة، أو ابتغاء الشهرة والظهور الذي يقصم الظهور، ولهذا كان من أهم ما تنشغل به الحركة الإسلامية تدريبُ الأخ على تزكية نفسه بما يجعلها مُتَأَبِّيةً على الدَّنايا، ثم الترقّي به ليعيش متجرّدًا لرسالته، مطمئنًّا ومستعدًّا للتَّضحية في سبيلها بكل ما يستطيع.

وكذلك لا يجعل الأخ الصَّادق المواقف الشخصية مع أحد من إخوانه – كائنًا ما كان موقعه - سببًا في ترك الصف، أو الافتئات على الدعوة والإساءة إليها، أو إشاعة المفتريات وترديد الأباطيل عن الدعوة وأهلها، بل يبقى في كل حال مهتمًّا ببيان حقيقة الدعوة، وإيضاح صورتها الناصعة، والذب عنها وعن قادتها، ورد الافتراءات والبهتان عنها وعنهم.

أفة التشرذم..

وميزانُ التجرُّد عند الأخ المسلم: قصدُ الحق، ونشدانُ الصَّواب، لا يُفَرِّق بين أن يظهرَ الحقُّ على يده أو على يد إخوانه، ويرى أخاه معينًا لا خصماً، ويشكره إذا عرَّفه الخطأ وأظهره له، ويقدّم النصيحة لإخوانه بكلِّ آدابها وضوابطها، ويظل عاملاً لدعوته، حريصًا على نجاح رسالته، متأبِّياً على محاولات الاستدراج، واعياً لكلِّ محاولات شق الصف التي يجتهد فيها الخصوم.

ولعلَّ ظاهرةَ التنازع والشقاق والتشرذم التي تصيب بعض العاملين في حقل الدعوة تشير إلى نقص في التجرّد الحقيقي لله، حين تختلف آراؤُنا واجتهاداتنا ورؤانا ونحن متجرّدون لله وللحق، فسنحتكمُ إلى الضوابط والثوابت التي ارتضيناها، وسيقلُّ التنازعُ والشقاقُ والتشرذم دون شك حين نكون متجرِّدين لله؛ نقبل النصيحة، ونحتمل النقد، سواء كان لأشخاصنا أو لأفكارنا أو لتصرفاتنا، وحين نكون متجرّدين لله لا تكون ذواتنا محور اهتمامنا ولا محور تحرّكنا، وحين نكون متجرّدين لله تكون طريقة الحكم على الآخرين هي الطريقة التي أمر الله بها {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} ]المائدة: [8.

وحين يغيب التجرّد من حياة المسلم يحلّ محله اتباع الهوى والإعجاب بالرأي، وذلك بداية الهلاك؛ {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ} [الصف: 5]، {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} ]محمَّد: [14، وفي الحديث: ((ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعِ الْعَوَامَّ...)). ]أبو داود والترمذي وحسنه[.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • التجرد
  • الدعوة
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (2-2)

    تحدثنا - بفضل الله تعالى- في الجزء الأول من هذا الموضوع عن:- توطئة عن الموضوع. …