فالدَّاعيةُ اليوم على طريق طويل وشائك وصعب، سالكوه قلَّة والمغرضون فيه كثرة، ليس كلّ مَنْ سلكه نجا وفلح إلاَّ المخلصون، فأولئك هم المفلحون؛ قال تعالى:{ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}.[الكهف:110].
إنَّ حقيقة الإخلاص تعني الوقوف مع الله تعالى في العمل ابتغاء مثوبته والحرص على مرضاته، إنَّه رباط رباني أزلي، هو شرط أساسي لصحة الأعمال
فكلُّ عمل خالص لله تعالى تثابين عليه وإنْ صغر، وكلُّ عمل منفلتٌ من الإخلاص يكون هباءً وإن عظم، فما لله يبقى وما لغيره يفنى.
أختي الحبيبة ...
حاذري أن تكوني ممَّن يقول عنهم ربُّ العزَّة: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}.[الفرقان:23].
هذه قيمة العمل بلا إخلاص {هَبَاءً مَنْثُورًا} أي: وكأنَّه لم يكن، وأيّ خسران أعظم من هذا أعاذنا الله وإيَّاك...
فالإخلاص لله هو جوهر الدين وقلبه النَّابض هو سفينة النَّجاة، ومركب الخلاص.
حقيقة الإخلاص ..
إنَّ حقيقة الإخلاص تعني الوقوف مع الله تعالى في العمل ابتغاء مثوبته والحرص على مرضاته، إنَّه رباط رباني أزلي، هو شرط أساسي لصحة الأعمال، فالعمل لا يصح إلاَّ به، ولا يقبل إلاَّ به، قال تعالى:{ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ}.[الزمر:2].
مفتاح القلوب ..
والسؤال الذي يطرح نفسه، أختي، كيف أهذِّب نفسي وألجم هواها بلجام الإخلاص؟ بل وكيف أنتصر على (الأنا) التي تدعوني دائماً للرِّياء والظهور؟
إنَّ أعمال السر لا يثبت عليها إلاَّ الصادقون، فهي زينة الخلوات بين العبد وربِّه، وهي وسيلة لا يستطيعها المنافقون أبداً، وكذلك لا يستطيعها الكذَّابون؛ لأنَّ كلاًّ منهما بنى أعماله على أساس معرفة النَّاس.
سنتناول في هذا الموضوع مفتاحاً قد يكون الأهم لفتح أبواب القلوب وانتشال الآفات التي تحول بيننا وبين الإخلاص.
أخواتي الحبيبات: هذا المفتاح هو: (الخبيئة الصاَّلحة): عمل العبد بينه وبين ربِّه، لا يريد به إلاَّ وجه الله تعالى؛ فعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة يحبّهم الله ويضحك إليهم ويستبشر بهم: الذي إذا انكشفت فئة قاتل وراءها بنفسه لله عزَّ وجل، فإمَّا أن يقتل وإمَّا أن ينصره الله ويكفيه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا، كيف صبر لي بنفسه؟ والذي له امرأة حسنة وفراش ليِّن حسن فيقوم من الليل، فيقول: يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد. والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا، فقام من السحر في ضراء وسراء". [رواه الطبراني، قال المنذري: إسناده حسن].
أعمال السر ..
يحثُّ العلماء والصَّالحون على عمل الخير في الخفاء، فعن الزبير ابن العوَّام رضي الله عنه، قال: "اجعلوا لكم خبيئة من العمل الصَّالح، كما أنَّ لكم خبيئة من العمل السيِّئ".
فإذا انتشرت أعمال الخير بالسر ظهرت البركة وعمَّ الخير الأمَّة، وإنَّ من أسباب فساد النفوس والإقبال على الدنيا الشّح الخارجي والشح الخفي؛ أمَّا الأول فمعلوم، وأمَّا الآخر فهو البخل بالطَّاعة في السر.
إنَّ أعمال السر لا يثبت عليها إلاَّ الصادقون، فهي زينة الخلوات بين العبد وربِّه، وهي وسيلة لا يستطيعها المنافقون أبداً، وكذلك لا يستطيعها الكذَّابون؛ لأنَّ كلاًّ منهما بنى أعماله على أساس معرفة النَّاس، وإنَّما هي أعمال الصَّالحين فقط...
وليعلم كلّ امرئ أنَّ الشَّيطان لا يرضى ولا يقرّ إذا رأى من العبد عمل سرّاً أبداً، وأنَّه لن يتركه حتَّى يجعله في العلانية، ذلك لأنَّ أعمال السر هي أشدّ الأعمال على الشَّيطان، وأبعد الأعمال عن مخالطة الرِّياء والعُجب والشُّهرة.
فذاك سلَّم النَّجاة طويل، سالكوه قلَّة، والمغرضون يتربصون الدَّوائر بكل من يخطو أدراجه، والإخلاص سلاح فتَّاك يمهِّد الطريق، ينوّر البصيرة.
رزقنا الله وإيَّاكن أخواتي الإخلاص في القول والعمل، وعافانا من آفات النفوس وأمراض القلوب، اللهم آمين.
للاستزادة
- حاجتنا إلى الإخلاص - محمد المنجد
- الإخلاص والنية - د. يوسف القرضاوي