الحرية .. شعار إنسانية البشر

الرئيسية » خواطر تربوية » الحرية .. شعار إنسانية البشر
KONICA MINOLTA DIGITAL CAMERA
KONICA MINOLTA DIGITAL CAMERA

الحريَّة.. كلمة لا يختلف عليها اثنان، بأنّها من الأمور التي يريدها كلُّ البشر، ويسعى إليها الجميع، لتسود حياتهم، فيحقِّقون إنسانيتهم في ظلِّها.
هي مفهوم سعى لتحقيقها البشر على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم، كلٌّ حسب طريقته ونهجه، لذا فهي قيمة إنسانية تتشوّق إليها المجتمعات عبر التاريخ، وأقيمت الثورات والحروب لتحصيلها، وتبدَّلت دول ومجتمعات لنيلها والعيش في ظلها.

"الحرية" شعار إنسانية الفرد، فلا قيمة للإنسان دونها، فهو كما نعلم مستخلف في الأرض، وذُلِّلت كلّها بما فيها لتحقيق خلافته، وهذه لا تتم إلاَّ بالحريَّة.
فالإنسان ليس دابّة مسيطراً عليها من الآخرين، ولا آلة يحرّكها غيره، بل هو مخلوق مكرَّم، مكانته سامية، ومنزلته رفيعة، وتكون أسمى وأرفع، إذا زيِّنت بالإيمان، فتصبح حياته والحفاظ عليها، أهمّ من كلِّ شيء في الوجود.

لا يوجد في ديننا طبقات يقسم النَّاس إليها، بحيث يستعبد أبناء الطبقات العليا، من هم دونهم من الطبقات الدنيا. ولهذا جاء الإسلام ليحارب عبودية الإنسان لأخيه الإنسان

والحرية التي نتكلَّم عنها لها معانٍ عدَّة في حياتنا:
فهي نقيض العبودية، وليس المقصود عبودية الإنسان لله، بل عبودية الإنسان لأخيه الإنسان. فلا تلتقي الحرية مع الرّق والتمليك، والاستعباد والاستغلال، ولا يوجد في ديننا طبقات يقسم النَّاس إليها، بحيث يستعبد أبناء الطبقات العليا، من هم دونهم من الطبقات الدنيا. ولهذا جاء الإسلام ليحارب عبودية الإنسان لأخيه الإنسان، وكما قال ربعي بن عامر لرستم: "جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد". فلا عبودية إلاَّ لله، ولا سلطة للبشر على غيرهم إلاَّ بما أراد الله وأمر.

بل إنَّ ظلم الاستعباد للنَّاس لابدَّ وأن يقابل بثورات عنيفة، تقتلع أركانه وتجتث مؤيّديه، تماماً كما حصل في تلك الثورة التونسية والمصرية -على سبيل المثال- التي كانت تدلل على مدى كره الفطرة البشرية لمن يقيّد حريتها ويسلب منها إنسانيتها.

والحرية نقيض استعباد العقول، وتسليمها بالأكاذيب والخرافات، فعلى مرَّ العصور، أسر كثير من الناس حرية عقولهم للخرافات والأوهام، فعاشوا في ظل قصص خرافية، وأكذوبات بشرية، ينسجها القصاص فتصدقها عقولهم؛ وذلك لأنَّهم حجروا حريتها على تلك المعاني، وحصرت المعرفة من ألسنة الخرَّاصين، الذين يفترون وينسجون قصص الخيال، أو يزينون لهم من الأعمال أسوأها، ومن الأمور أقبحها، فعبدوا الأصنام، والنَّار، والحيوانات، والكواكب.

وفي الوقت نفسه أشركوا بالله، فجعلوا معه آلهة، وعبدوا من دون الله بشراً وأوثاناً، فجاء الإسلام لينير العقول، فينوّر البصائر، ويصلح السرائر، لتنعكس على الظواهر، وبالتالي يعيش العقل في ظل الشرع، ليحقق إنسانية صاحبه، وليرقى به في منازل رفيعة ليحقق بيئة نهضوية لأمته، وعلواً في منزلته عند ربّه سبحانه.

- والحرية نقيض الاستبداد والطغيان، فلا تلتقي حرية الإسلام في نظام الحكم مثلاً، مع الأنظمة الثيوقراطية والديكتاتورية الاستبدادية، لأنَّ هذه الأنظمة تسلب حقّ الأمة في الشورى والاختيار، والمراقبة والعزل. ولا يعترف الإسلام بالطبقية السياسية، التي تجعل الحكم بين أفرادها دون غيرهم من النَّاس، وتسلب حق التدخل في السياسة من الآخرين، وتحجر على حقوقهم وحرياتهم، وتقمع كل من يقف في طريقها، سواء أكان ناصحاً أم منتقداً، أو حتى معبّراً عمّا يجول في خاطره أو وجدانه.
بل ولا يعترف بالوثنية السياسية، والتي تجعل لبعض الناس، مقامات عاجية لا يصلها الانتقاد والاعتراض، فتُسلب حرية الناس في التقويم والمعارضة، والمراقبة وإسداء النصح.

وبناءً على ذلك، يقوم هؤلاء بارتكاب أقبح الجرائم، والتي تتنافى مع الإنسانية، فيُحبس المعارضون، ويُقتل الناصحون، ويُنفى المخلصون. متجاهلين أنَّهم يحملون بذور فنائهم في ذاتهم، وأنَّ أركانهم لا تقوم على أسس سليمة، فبمجرّد حركة شعوبهم من تحتهم، تنهار كراسيهم، وتتلاشى سحبهم، تماماً كما حصل في تونس ومصر واليمن وليبيا، حينما انتفض الشعب ضد استبداد الطغاة، ومصادرة الحرية بأشكالها كافة.

لا تلتقي حرية الإسلام في نظام الحكم مثلاً، مع الأنظمة الثيوقراطية والديكتاتورية الاستبدادية، لأنَّ هذه الأنظمة تسلب حقّ الأمة في الشورى والاختيار، والمراقبة والعزل

- والحرية نقيض الاحتلال والاستعمار، فلا حرية في ظل سيطرة الغريب على الأرض والممتلكات، ولا حرية في ظل القتل والتدمير، واغتصاب المقدسات وانتهاك حرماتها، ولا حرية في ظل حصار مفروض، وشلالات دماء تسفك ليلاً نهاراً؛ لأنّ الاحتلال يعتبر أكثر الأمور التي تناقض الحرية، ولهذا وقفت الشعوب لتصد استعمار المجرمين، واحتلال البغاة، لتضرب دروساً من العزة والصمود، والرفعة والشموخ، تماماً كما يضربه أبطال أمتنا وخصوصا في فلسطين العزة، التي ما زالت منذ أكثر من ستين عاماً تعاني سلب حريتها عبر احتلال اليهود لأرضها ومقدساتها.

والحرية في هذا الأمر، نقيض العمالة والخيانة، وموالاة الأعداء، والاعتراف بسلطتهم، فلا يمكن أن يكون الإنسان حرّاً في ظل وجود عدوه، لأنَّها لا تتوفر لمن رضي بالهوان والاستكانة والخنوع.

إنَّ الحرية هنا لا تعني توفر المأكل والمشرب، ولا المسكن الوفير، بل حرية التصرف والقرار، وعدم تسلط الغير على الإرادة، بكافة أشكاله وأنواعه.

ومن ثمَّ لا نهضة ولا رفعة حقيقية للأمَّة دون حرية، ولا يوجد نصر ولا تمكين لها إذا لم تسع لنيل حريتها المفقودة. والنضال لتحصيلها علامة حياة الشعوب؛ لأنَّ إنسانية الإنسان وفطرته لا ترضيان بالحرية بديلاً.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …