زوج بجمال يوسف.. وزوجة !!

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » زوج بجمال يوسف.. وزوجة !!
alt
لطالما عجبت من قصة تأثر صويحبات امرأة العزيز بجمال سيدنا يوسف عليه السلام تأثراً أذهل عقولهن وجعلهن يقطعن أيديهن دون أن يشعرن في لحظة غياب عن الوعي الذي أصبح أسيراً بنظرة عين لجمال بشري أوتي شطر الحسن ، نظرة فتكت في قلوبهن فتك السِّهام بلا قوس ولا وتر.
لطالما استوقفتني هذه القصة مثيرة في النَّفس تساؤلات عديدة عن مدى تأثر النفس بالجمال وما ينتج عن ذلك من مشاعر حب وتعلق، هل الجمال جمال الوجه أم الروح ، هل الجمال فتنة قد توقع المرء في المصائب والخطايا ؟؟؟ وسبحان من ضرب لنا في القرآن من كلِّ مثلٍ، فما جهل وانقياد صويحبات امرأة العزيز لهواهنّ إلاَّ ما نشهده ونقرأ عنه هذه الأيام من حماقة بعض نساء العرب بتعلقهن بأبطال المسلسلات التركية المدبلجة وبالذات المدعو (مهند) في مسلسل نور، ومطالبتهن أزواجهن بتمثل وتغيير أشكالهم لتماثل شكل مهند كشرط لاستمرار الحياة الزوجية بينهم، وتصريحهن أحياناً بالأماني الشيطانية برغبة قضاء ليلة حمراء مع مهند ولو كان من بعدها الموت، تدبير إبليسي له سابقة في تاريخ البشرية كالتي غلَّقت الأبواب باباً وراء باب، وأحكمت لأقفال وهيَّأت النَّمارق والوسائد، لتخلو بنبيّ الله الكريم بن الكريم وتغويه.
وهذا يعيدني إلى تساؤلات البداية عن ماذا تبحث النساء في الرِّجال، وعن ماذا يبحث الرجال في النساء؟
لقد نبهنا المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم غير مرَّة عن معايير الحب والارتباط، فعلم أنَّ العين قد يستهويها جمال قد يكون فيه هلاكها، وعلم أنَّ بعض النفوس قد يستهويها حسب أو نسب أو ثروة فجعل البركة والهناء بالارتباط بذات الدين، وخطب صلَّى الله عليه وسلَّم فتاة من أجمل صحابيات المدينة للصَّحابي جُلَيْبِيبٍ الذي كان يُنظر إليه أنَّه كاسد في سوق الجمال، ولكنَّه كان رائجاً في سوق الرُّجولة وعلوّ الهمَّة، فترك عروسه الشابة الحسناء، ولبَّى داعيَ الجهاد، فاستشهد لينسبه الرَّسول إلى نفسه فيقول: ((قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ، هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ)). ]رواه مسلم[.
وقد علم الحق سبحانه أنَّ النظرة سهمٌ مسموم من سهام الشر، ينفذ إلى القلب، فيقلب كيان المرء رأساً على عقب، فتلطَّف في حكم نظرة الفجاءة، على أن لا تتبعها نظرة القصد والتفحص التي توقع في الإثم، فأمر سبحانه بغض البصر، وجعل أجره حلاوة يجدها المؤمن في قلبه، وفتحاً على بصيرته، وشدَّد على العاقبة الأليمة لإطلاق النظر إلى ما حرَّم الله على القلب، فقال العلماء : (إطلاق النظر ينقش صورة المنظور في القلب، والقلب كعبة والمعبود سبحانه لا يرضى بمزاحمة الأصنام).
في أزمان الخير والفضيلة كان الحب كلّه حلالاً في النور لا يجمع بين قلبين شاردين تحكمهما الشهوات، بل لقلوب طاهرة تجمع بين أسر خيّرة يقوم عليها المجتمع والحضارة..
كان الآباء فيما مضى لا يلقون ببناتهم إلى التهلكة ركضاً وراء سراب الوجوه الجميلة التي تخفي وراءها صنوفاً من الضحالة، كان الحب والزواج مشروع حياة متكامل له شروط لا يُتنازل عنها كي يتم ويستمر، ولم يكن جمال وجه الرجل والمرأة ضمن المعطيات الأساسية، فإذا وُجد كان فضلاً زائداً على فضل جمال النفس والخُلق، لقد صاغ أحد الشعراء فقه الآباء في تربيتهم لبناتهن وتزويجهن قائلاً:

أتمنى لابنتي عقلاً سليمــــاً ينبذ الوهم ويهديها السبيــــلا
ذات علم وذكاء ونشــــــاط وخِصال صالحات لن تــــزولا
فإذا ما جاءني يوماً جهولاً ساحباً في المال والجاه ذيولا
وأبتغى منِّي أمراً مستحيلاً لست أرضاه بنعليها بديــــــلا

وإنَّا لنعجب كيف يمكن لامرأة عاقلة تربَّت في بيئة عربية تعترف في أقلها بالعادات والتقاليد أن تصل إلى هذا الحدّ من الضلال والإسفاف والتعلق بالمظاهر الزائفة التي قد تدمر حياتها؟!
هل من الممكن أن ينجذب أصحابُ النفوس السوية لمظهر جميل دون أخلاق تزيِّنه وتكمِّله؟
إذن، أين دورُ العقل الذي أكرم الله به الإنسان في مواجهة الغرائز التي تتأثر بما تستقبله الحواس الخمسة التي يشترك بها الإنسان مع المخلوقات الأخرى والحيوانات؟
وهل ينفعُ الفتيانَ حسنُ وجوههم إذا كانت الأعراض غير حسان، فيصبح الجمال والمظاهر هما بوابة الدخول للقلوب؟
ألا يفكر هؤلاء الناس أنَّ جمالَ المظهر قد يزول بمرض أو عرض أو تقدم في العمر، فماذا يبقى في الرِّجال والنساء والأزواج والزوجات الذين تاجروا بالجمال المادي وحده؟ هل يذهب جمالاً لعشرة الطيبة إذا ظهرت التجاعيد في الوجه؟؟
هل يهرب الحب والإخلاص والتفاني من الشباك إذا تغيّر الشكل الخارجي للرجال والنساء؟
إذن، لماذا صمدت زيجات أجدادنا وجداتنا وآبائنا وأمهاتنا في مواجهة الفقر والحرب والمصائب ضاربين لنا أروع الأمثلة في الحب والعلاقات الزوجية؟
إنَّ الذين يبحثون عن جمال وجه يوسف رجالاً ونساء لم يهتموا بسيرة يوسف التي كمّلت جمال المظهر بجمال المخبر ، لم يتفرسوا وهم يطلقون العيون تدقق وتتمنى الحرام في جهاد يوسف ليصرف عن نفسه الحرام مؤثراً السجن سنوات طوال دون الرضوخ لحَمَأَة الجسد والوقوع في حبائل المنكر، لم يتفكروا في عبادته ودعوته وتبليغه للرسالة وهو في أحلك الظروف، لم ينظروا في رفضه الخروج من السجن قبل أن ترفع عنه تهمة خيانة الثقة واستحياء الأعراض، لم يتأملوا دعاءَ يوسف عليه السلام، وقد أوتي مفاتيح الجمال والملك والولاية يتمنى نهاية الصلاح داعيا { رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }.[يوسف:101].
إنَّ من يتعلَّق بالقشور لا يحصّل إلاَّ الفُتات، أمَّا من يبحث عن اللبّ فذلك الذي يجني الشهد ممزوجاً بالعسل والجمال الحقيقي الذي يشع من الرُّوح قبل الجسد.

بقلم : د. ديمة طارق صهبوب

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …