(تخلّف العالم الإسلامي قضية معروفة، وإن كانت مخجلة! وهذا التخلف أطمع الأقوياء فيه! بل قد طمع فيه من لا يحسن الدفاع عن نفسه! وشر من ذلك أن هذا التخلف ألصق بالإسلام تهما كثيرة٬ بل إنَّ عقائد خرافية فكرت في إقصائه ووضع اليد على أتباعه..! )
بهذه الكلمات بدأ الشيخ محمَّد الغزالي رحمه الله كتابه ( الطريق من هنا)، ليضع يده على مكمن الدَّاء، ليقدِّم العلاج والدَّواء في ثنايا كتابه، مرشداً وناصحاً دعاة التغيير والإصلاح في كلِّ مكان، يبث معالم الطريق الصَّحيح، يعلي الهمم تارة، ويبعث روح التجديد أخرى.
ويضيف الغزالي في كتابه: (ولست ألوم أحداً استهان بنا أو ساء ظنه بديننا مادمنا المسؤولين الأوائل عن هذا البلاء إنَّ القطيع السَّائب لابدَّ أن تفترسه الذئاب. وقد نهض كثيرون لمعالجة هذا الانحدار٬ وإزاحة العوائق التي تمنع التجاوب بين الأمَّة ودينها أو إزالة الأسباب التي جعلت أمَّة كانت طليعة العالم ألف عام تتراجع هائمة على وجهها في مؤخرة القافلة البشرية... ورأيت ناشدي الإصلاح فريقين، فريقاً يتجه إلى الحكم على أنَّه أداة سريعة لتغيير الأوضاع وفريقاً يتجه إلى الجماهير يرى في ترشيدها الخير كله.. قلت في نفسي: إنَّ الذين يسعون إلى السلطة لتحقيق رسالة رفيعة لابدَّ أن يكونوا من الصديقين والشهداء والصَّالحين أو من الحكماء المتجرّدين والفلاسفة المحلقين! وأين هؤلاء وأولئك؟ إنَّهم لم ينعدموا ٬ ولكنهم في الشرق الإسلامي عملة نادرة. ومع ذلك فإنَّ أيَّ حكم رفيع القدر لن يبلغ غايته إلاَّ إذا ظاهره شعب نفيس المعدن عالي الهمَّة!
إذن، الشعوب هي الأصل٬ أو هي المرجع الأخير! وعلى بغاة الخير أن يختلطوا بالجماهير لا ليذوبوا فيها، وإنَّما ليرفعوا مستواها ويفكوا قيودها النفسية والفكرية قيودها الموروثة أو التي أقبلت مع الاستعمار الحديث...).
مع الكتاب:
-ألف الشيخ محمَّد الغزالي هذا الكتاب سنة 1980م، وطبع عشرات المرَّات، ويحوي 173 صفحة.
-يتحدَّث الشيخ محمَّد الغزالي بحرقة وألم في هذا الكتاب عن مآسي المسلمين، وأسباب تخلّفهم عن ركب الحضارة، وأسباب ذلك كلِّه، وما السبيل إلى العودة بالمسلمين إلى سابق مجدهم وعزّتهم.
-يسرد الشيخ في هذا الكتاب قصصاً من التاريخ وأحداثاً ذات تأثير في حياة المسلمين، مفصِّلاً خطبة الوداع للنّبي عليه الصَّلاة والسَّلام، مستخلصاً منها الدروس والعبر.
-يقول الشيخ محمَّد الغزالي: (في هذا الكتاب صور قليلة لمفارقات بين واقعنا وديننا، في الماضي والحاضر، أرجو أن تجد حظها من التدبر والوعي، فإنَّ مستقبلنا منوط بهذه اليقظة).
-يعدُّ هذا الكتاب كنزاً ثميناً، فلا غنى للأخ المسلم عن اقتنائه وقراءته وفهمه وتلخيصه.
مع المؤلف:
-ولد الشيخ محمَّد الغزالي أحمد السقا في 5 ذي الحجة سنة 1335هـ، الموافق 22 من سبتمبر 1917 م، في قرية (نكلا العنب) التابعة لمحافظة البحيرة بمصر، وسمّاه والده بـ(محمَّد الغزالي) تيمنًا بالعالم الكبير أبي حامد الغزالي المتوفى في جمادى الآخرة 505 هـ.
- أتمَّ حفظ القرآن بكتّاب القرية في العاشرة، والتحق بعد ذلك بمعهد الإسكندرية الديني الابتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية، ثمَّ انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356هـ الموافق 1937م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر الشريف، وبدأت كتاباته في مجلة (الإخوان المسلمين) أثناء دراسته بالسنة الثالثة في الكلية، بعد تعرّفه على الإمام حسن البنّا مؤسس الجماعة، وظل الإمام يشجعه على الكتابة حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360هـ = 1941م). وأطلق الإمام البنا لقب (أديب الدعوة) على الشيخ الغزالي.
-انتقل إلى جامعة أم القرى بمكَّة المكرَّمة؛ مدرّساً فيها لمدَّة سبع سنوات، ومقدّما لبرامج إذاعية منها (ادع إلى سبيل ربِّك)، ومؤلفاً لكتب في السيرة والدعوة.
-عاش سنوات في الجزائر، حيث أسَّس لصحوة إسلامية كبيرة بين شبابها، وكان له الأثر الكبير في مشاريع الدعوة الإسلامية فيها، ومن مؤسسي جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية في مدينة قسنطينة.
-في شهر آذار (مارس) 1996م، دعي للمشاركة في مهرجان الجنادرية الثقافي، بالمملكة العربية السعودية، وبعد أربعة أيام ودَّع الشيخ الحياة، وانتقل إلى جوار ربِّه، بعد حياة مليئة بالجهاد والدَّعوة.