قال الله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ}. [آل عمران:164].
يقول الشهيد سيِّد قطب: (فالمنَّة مضاعفة ممثلة في إرسال الرَّسول، وفي وصل أنفسهم بنفس الرَّسول، ونفس الرَّسول بأنفسهم على هذا النَّحو الحبيب، ثم تتجلَّى هذه المنَّة العلوية في آثارها العملية.. في نفوسهم وحياتهم وتاريخهم الإنساني)، ومن ثمَّ كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قدوتنا وأسوتنا في حركاتنا وسكناتنا.. في أقوالنا وأفعالنا.. في سِلمنا وحربنا.. في تربينا ودعوتنا.. في منهجنا وفكرنا.. قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. [الأحزاب:21].
لقد نشأ حبُّنا الوثيق لحبيبنا محمَّد صلوات ربّي وسلامه عليه، وتأصَّل في عقلونا وقلوبنا، فهو أحبُّ إلينا من أنفسنا وأبنائنا ووالدينا والنَّاس أجمعين، ولا يكتمل إيمان أحدنا إلاَّ بذلك..
منذ كنت صغيراً إلى العمر الذي بلغت الآن.. كان جسمي يقشعر عندما أردّد ( ... والرِّسول قدوتنا).. فينتابني شعور يحرِّك فيَّ بعمق حبَّ الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم.. فلماذا هذا الحب؟
فيملي القلب، والقلم يكتب ..
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه جاءنا بكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.. فكان لنا نبراساً ودستوراً..
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه رسولٌ من أنفسنا.. ترك لنا سيرة عطرة وسنَّة شريفة، نستلهم منها العبر والدروس، ونتَّخِذها قدوة ومنهجاً...
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه حرَّر الإنسان من عبودية بني البشر إلى عبودية الواحد القهَّار، وأخرجه من ضِيق الحياة الدُّنيا إلى فسحة الآخرة، ومن ظلم وجور الحكَّام إلى عدل وسماحة الإسلام...
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه ربَّى جيلاً من الصَّحابة الكرام استطاعوا أن يحافظوا على هذا الدِّين ناصعاً، وينشرونه في أصقاع العالم، فاتحين معلِّمين...
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه لم يكن متكبِّراً على أصحابه، ولا مستبداً برأيه، كان منفتحاً على الآخرين، يقابل الإساءة بالإحسان، يسلّم على الصَّغير والكبير، ويمشي مع الأرملة والفقير..
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه كان عادلاً في أحكامه، لا يحابي، ولا يجامل، وهو القائل: (( لو أنَّ فاطمة بنت محمَّد سرقت لقطعت يدها)).
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه كان نِعْمَ الزَّوج الصَّالح، إذ كان في خدمة أهل بيته، سئلت عائشةُ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: ((كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ)).
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه كان أوفى النَّاس بالعهود، وأوصلهم للرّحم، وأعظمهم شفقة ورأفة ورحمة بالنَّاس، أحسن النَّاس عشرة وأدباً.
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه لم يكن فاحشاً، ولا متفحّشاً، ولا لعاناً، ولا صخَّاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيّئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح..
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه كان يتفقد أصحابه، ويسأل الناس عمَّا في النَّاس، ويحسِّن الحسن ويصوّبه، ويقبح القبيح ويوهنه، معتدل الأمر، غير مختلف، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملّوا، لكلِّ حال عنده عتاد، لا يقصر عن الحق، ولا يجاوزه إلى غيره..
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه كان لا يجلس ولا يقوم إلاَّ على ذكر، ولا يوطن الأماكن ـ لا يميّز لنفسه مكاناً ـ إذا انتهى إلى القوم جلس حيث ينتهي به المجلسُ، ويأمر بذلك، ويعطي كلّ جلسائه نصيبه حتَّى لا يحسب جليسه أنَّ أحداً أكرم عليه منه.
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه كان دائم البِشر، سهل الخلق، ليِّن الجانب، ليس بفظ، ولا غليظ، ولا صَخَّاب، ولا فحَّاش، ولا عتَّاب، ولا مدَّاح...
نحبُّ محمَّداً صلَّى الله عليه وسلَّم.. لأنَّه بلَّغ رسالة ربِّه، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمَّة، وكشف الغمَّة، وأنار الظلمة، وجاهد في الله حقَّ جهاده حتَّى أتاه اليقين..
أحبُّك رسول الله.. فأنت أحبُّ إليَّ من نفسي ووالديَّ وزوجتي وأولادي والنَّاس أجمعين..
أحبّك رسول الله صلَّى الله عليك وسلَّم..