السؤال :
أنا شاب تربيت تربية إسلامية معتدلة، وكنت أحفظ الكثير من القرآن والأحاديث، وعملت أيضاً على تبليغها، وكنت ملتزماً حقيقة بكل كلمة أقولها، وكلّ وعد أعهد به إلى أحد، ولا أكذب مطلقاً، كما أنَّ نفسي كانت مرتاحة للجميع، فلا أكِّن عداءً لأحد ولا خصومة، وفي عملي كنت حريصاً لدرجة كبيرة، إلاَّ أني أشعر أنَّ نفسي تبدلت وأصبحت أقرب إلى صفات المنافقين، فأصبحت أعطي الكثير من المواعيد، ولا أذهب إليها، وأخلف عهدي، وعندما أريد أن أعطي بعض الأسباب لغيابي، فإني أقوم بعمل تورية للكلام أقرب إلى الكذب، واستخدم المزاح الكاذب كثيرًا لنضحك أنا وأصحابي، ولم يعد حرصي في عملي كما كنت سابقاً... فهل أصبحت صفات النِّفاق متأصِّلة فيَّ؟
الرَّد :
مع النَّظرة الأولى للرِّسالة خطر على بالي حديث حنظلة (نافق حنظلة يا أبا بكر...)، وحقيقة أميل إلى أنَّ هذا من مظاهر الخير في حال السائل، فالإنسان دائماً في حالة حرب مع الشيطان الذي تعهد بالعمل على إضلال المؤمنين، قال تعالى: {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَآئِلِهِمْ وَلاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ}. [الأعراف:17].
اعلم أخي .. أنَّ اتهام النَّفس بالنِّفاق هو من علامات الإيمان، وأنَّه يدلُّ على معدن نقي، ونفس توَّاقة، ولكن احذر أن يكون اتهام النَّفس دائماً بالنِّفاق هو نوع من جلد الذات والاتهام المبالغ فيه للنفس، لأنني شعرت بين سطور تلك الرِّسالة بالخوف على قائلها من خطر وجود انقلاب لا يأمن منه أحد، فالوساوس تستطيع التغلب عليها إذا لم تضخم فيها وتتملك منك.
واعلم أنَّ الوساوس لا تأتي في المعصية، وإنَّما تأتي في الطاعة، فطالما كثرت تلك الوساوس بداخلك، واتهام نفسك بالنفاق كثر، فاعلم أنَّك في حرب مع الشيطان يجب أن تنتصر فيها، ولا تستسلم لوساوسه واحباطاته.
وأحبُّ أن أسألك أو تسأل نفسك؛ هل ترى سبب هذا التقصير الشديد فتور عارض لا يسلم منه أحدٌ أم أنَّه بسبب وقوع في ذنب كبير جعل حياتك تنقلب، وتسبب في هذه الانتكاسة؟ أم الوقوع في داء كداء العشق أو انصراف الهوى عن الدين؟، حيث إنَّ هذه المظاهر يكون حلُّها بالتوبة من الذنب أو الزّواج إذا كان الذنب عشقاً، فلم يرى للمتحابين إلاَّ الزّواج.
أنصحك أخي باستشارة أحد المقرّبين منك الموثقين عندك، لرصد هذا التغيّر وتحليل أسبابه، والتعاون معه للعودة إلى رشدك وإلى مكانتك الطبيعية، وأن تتفق معه على برنامج إيماني لإيقاظ الإيمان في القلب، لأنَّ الحلَّ في تلك الحالة هو العمل وتذكير النفس دائماً بالطَّاعة والمبادرة إليها، والقيام بعمل طاعة من الطَّاعات تردك إلى الحماسة والاستقامة من جديد، والتوبة السريعة، وذكر الله للبعد عن وساوس الشيطان.
الأمر الآخر هو لزوم صحبة صالحة معينة تصاحبك وتصبرك وتقاومك إذا اعوججت، وتعينك إذا استقمت حتى لا تتعرض لتذبذب لا يأمن منه أحد.