الجنرال فرغلي.. المجاهد الشهيد

الرئيسية » بصائر الفكر » الجنرال فرغلي.. المجاهد الشهيد
alt
((خرج هو وثمانية من إخوانه المجاهدين خلف خطوط اليهود، وتسلَّلوا إلى مستعمرة قرب الفجر، وصعد أعلى مكان فيها، وأذَّن الفجر، وظنَّ اليهود أنَّ الإخوان المسلمين داهموهم بليل، فولّوا الأدبار هاربين، وفي مقدمتهم حراس المستعمرة، وفي الصباح سلَّم مجاهدو الإخوان المستعمرة إلى الجيش المصري دون استخدام سلاح أو إراقة دماء)).إنَّه الشيخ محمَّد فرغلي قائد كتائب الإخوان المسلمين التي جاهدت ضد الاحتلال الصهيوني في فلسطين.
ولد الشيخ محمَّد فرغلي عام 1907م، شغل عضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين، ورئيس منطقة الإسماعيلية والقناة، وكان أحدَ المرشحين لمشيخة الأزهر الشَّريف، أعدمه الرَّئيس المصري جمال عبد الناصر في 7 كانون الأول/ ديسمبر 1954م، ضمن مجموعة من قادة الإخوان في محكمة عسكرية صورية بعد الحادثة التي عرفت باسم حادثة المنشية.

جهاد فلسطين..

كان الشيخ محمَّد فرغلي من المبادرين إلى الجهاد في فلسطين 1948م، حيث دخلها على رأس قوَّة من مجاهدي الإخوان المسلمين، ورغم أنَّ الاحتلال البريطاني لفلسطين أغلق الحدود الفلسطينية في وجه المجاهدين، إلاَّ أنَّ مجاهدي الإخوان المسلمين تمكّنوا من التسلل واختراق كلّ الحواجز والدخول إلى فلسطين، ليقفوا إلى جانب إخوانهم المجاهدين الفلسطينيين، وكان الشيخ محمَّد فرغلي من أبرز قادة الإخوان المسلمين الذين شرعوا بتدريب إخوانهم الفلسطينيين، وشاركوهم في اقتحام مواقع اليهود، وأقضّوا مضاجعهم، وهاجموا مستعمراتهم.

بطولات فرغلي..
نزل الأستاذ حسن البنا المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين بليل إلى الإسماعيلية أيام حرب فلسطين 1948م، وقضى مع الشيخ فرغلي جزءًا من الليل، وكان الشهيد على وشك السفر إلى ميدان القتال.
قال له الإمام البنا: ربّما أمكنك السفر مع الفجر، وتقضي ليلك معنا، وفي صلاة الفجر، قالوا له : لقد سافر الشيخ مبكرًا، وصار الإمام البنا يضرب بكف على كف، ويقول فرحًا: هكذا يكون الرِّجال المسلمون في مواضع المسؤولية.

بدايته في الدعوة..
يقول عنه عباس السيسي : لقد كان فرغلي من دعاة الإسلام ومن الرَّعيل الأول من الإخوان المسلمين، عمل مع الإمام الشهيد حسن البنا منذ بدء دعوته في مدينة الإسماعيلية، واختاره الإمام الشهيد لمسؤوليات كبار، فكان عند حسن الظن، ويتحدَّث الإمام الشهيد حسن البنا في ((مذكرات الدعوة والداعية)) عن الشيخ فرغلي فيقول: ((..حين تمَّ بناء المسجد، الذي طالب به عمال الشركة بالجباسات بالإسماعيلية انتدب للإمامة والتدريس فضيلة الشيخ محمَّد فرغلي المدرّس بمعهد حِراء حينذاك. وصل فرغلي وتسلَّم المسجد، وأعدّ له سكن خاص بجواره، ووصل روحه القوي المؤثر بأرواح هؤلاء العمال الطيبين، فلم تمض عدَّة أسابيع وجيزة حتَّى ارتفع مستواهم الفكري والنفسي والاجتماعي ارتفاعاً عجيباً)).

معركة القنال..
وحين نشبت معركة القنال، ترك الشيخ فرغلي أهله مرّةً أخرى، واندمج بكليته في المعركة، ولم يكن أيضًا (درويشًا ساذجًا) يعالج قضايا الجهاد من زاوية عاطفية، بل كان سياسيًّا، ذا عقلية منظمة، كما كان صاحب شخصية مسيطرة تملأ نفوس من معه بالأمل والثقة، وتشعرهم بأنهم يسيرون خلف قائد قدير عظم الخبرة.
وفي العام 1951م، ألغت الحكومة المصرية معاهدة 1936م، وقابل الإنجليز الأمر باستخفاف، وعلى طول البلاد وعرضها اتبع رجال الأحزاب المصرية وزعماؤها الأمر بالخطب والبيانات إلاَّ أنَّ الشيخ فرغلي ومن معه نزلوا إلى المعركة بعزم وصدق وجلد، وأعلن تشرشل في لندن أنَّ عنصرًا جديدًا قد نزل إلى ساحة المعركة.

فرغلي والإنجليز..
ولم يكن الشيخ فرغلي مجهولاً عند الإنجليز، ومواقفه في الإسماعيلية مشهورة ومعروفة، فقد واجه صلف المستعمر بصفعه، وقابل غروره بالسلاح، وكانوا يراقبون الشيخ فرغلي مراقبةً دائمةً، وكان منظراً مألوفاً، أن يرى هذا الرجل الوقور في شوارع الإسماعيلية بلباسه الديني المبتكر، وعمامته البيضاء الأنيقة، يتابعه عميل بريطاني حيثما سار.
وفي أحد الأيام أنذر قائد قوات الاحتلال المحافظ، وأنزل إلى الشوارع جنوده ومصفحاته، وتوجّه الشيخ فرغلي إلى المحافظ في عربة جيب، وفي زيّه الأزهري ومعه سلاحه، لينذر المنذرين بضرورة الانسحاب، وليساند رجال الحكومة في موقفهم، وليشدّ من أزرهم، وانسحب الإنجليز بالفعل من شوارع الإسماعيلية، وسحبوا إنذارهم.
وخسر الإنجليز في معارك القنال الكثير؛ قطعت مواصلاتهم، وهوجمت معسكراتهم، وقتل جنودهم، فرصدوا ألوف الجنيهات لمن يأتي بالشيخ فرغلي حيًّا أو ميتًا.

فرغلي وعسكر يوليو..
وكان للشيخ فرغلي العديد من اللقاءات مع ضباط ثورة يوليو، وقد دعاه جمال عبد الناصر، ومعه (الشاهد على الطريق) محمَّد حامد أبو النصر لتناول الإفطار في منزله بمنشية البكري، وفي الساعة السَّادسة صباحاً، الميعاد المحدّد لهذا اللقاء استقبلهم عبد الناصر في غرفة الاستقبال، ثم جلسوا على مائدة الإفطار، تحدَّث خلاله عبد الناصر عن العمل على إزالة آثار العوائق التي وقعت بين قيادة الإخوان وقيادة الحركة، كما كانت مسألة إصلاح الأزهر الشريف منار الإسلام، وما يجب أن يكون عليه من كفاءة حتَّى يؤدي رسالته، وهنا لوّح عبد الناصر بإشارات خفيفة حول إسناد مشيخة الأزهر لفضيلة الشيخ فرغلي، كما تحدّث عن إرسال بعثات إسلامية من الإخوان المسلمين إلى جنوب أفريقيا لحاجة شعوبها إلى الإسلام.
وفي سنة 1954م، بدت نذر القطيعة بين جمال عبد الناصر والإخوان المسلمين، ووسط أساليب الإغراء وصور التهديد، وقف الشيخ الشهيد صامداً لا يلين، أعرض عن الدنيا بمنافعها ومفاتنها، ورفع رأسه شامخاً، فلم يقبل في دينه الدنيةَ، وكانت صفحاته وهو بين أيادي الجلادين والطغاة، في غياهب السجن الحربي ملؤها الصبر والاحتمال والاحتساب، صبر المؤمنين، واحتمال المجاهدين، واحتساب المخلصين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

التدجين الناعم: كيف يُختطف وعي الأمة؟ (1-2)

قال تعالى: "إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ …