ويشف صدور قوم مؤمنين – بقلم : د.محسن العواجي

الرئيسية » حصاد الفكر » ويشف صدور قوم مؤمنين – بقلم : د.محسن العواجي
alt
لا إله إلاَّ الله الكريم العظيم، لا إله إلاَّ الله رب العرش العظيم، لا إله إلاَّ ربّ السموات وربّ الأرض ربّ العرش الكريم .....

هذا يوم من أيام الله أعزَّ الله فيه من يشاء، وأذل الله فيه من يشاء، لا ينبغي فيه الخوف من غير الله،  ويجب مصارحة الظلمة من الحكام المستبدين بالسلطة والمال والكرامة والجاه دون شعوبهم، نقول لهم:  شعوبكم تتنفس الصعداء الآن، فلا تضيقوا ذرعاً بفرحهم ببوادر الفرج التي تلوح بالأفق؛ فالشعوب المغلوبة على أمرها  لا تستطيع كبت فرحها مجاملة لكم، فهي تمارس حقها الطبيعي والفطري تفرح أصالة عن نفسها ونيابة عن آبائهم وأجدادهم الذين أفنوا حياتهم ينتظرون مثل هذه الأعياد الشعبية المباركة وتخطفهم الموت الذي كاد أن يتخطف الأبناء والأحفاد ولما يقرّ الله عيونهم بما نراه ويثلج صدورهم بما نعايشه الآن  من شروق لنجوم الشعوب وانكفاء للحكام، ولم يكن لدينا أمل أن نرى ما نراه في حياتنا بالدراسة والاستقراء، ولكنَّه  وعد الله  الحق وأمر الله النافذ وقدر الله  المقدور بالتمكين، والله  غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

كم من الآيات صرفها الله في القرآن محذرة من عواقب الظلم، وكم من الأحاديث الصحيحة  التي طالما اتهم  الحاكم الناصح الأمين  المذكر بها بأنَّه مثير للفتة والشغب ويحرِّض الناس ويخوض فيما لا يعنيه، والآن حَصحَص الحق، كل نفس بما كسبت رهينة،  السبب هو كلمة واحدة فقط إنَّه (الظلم) وكفى!

فلو استجبتم أيُّها الظالمون لله الذي حرَّم الظلم على نفسه وجعله بينكم محرَّماً حين قال:((فلا تظالموا))  لما حلَّت بكم هذه الغاشية من عذاب الله، وعلى الحكام الذين أمهلهم الله ولم يهملهم أن يبادروا بالتوبة وبرفع المظالم والانحياز للمظلومين، وحذار حذار من التعالي والكبرياء الذي أهلك فرعون الماضي وفرعون الحاضر ولا فرعون للمستقبل بحول الله وقوته، انجوا بأنفسكم أيها الحكام من قول الله تعالى :  {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ }  وأيّ حاكم يؤازر ظالماً فهو ظالم مثله  و داخل في قوله تعالى : {وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ }.

أيُّها الظلمة من الحكام، الأيام دول  ذوقوا بعضًا ممَّا تعاملون به شعوبكم، والدنيا  دوائر، والتاريخ دورات، والأمر من قبل ومن بعد بيد ربّ الأرض والسماوات، إننا بحق اليوم مسرورون لسرور إخواننا في تونس ومصر؛ لا حباً في الفتن  العرضية، بل هروباً من الفتن الأزلية الجاثمة على صدور الأجيال باسم درء الفتنة  فليست الفتنة في قول الحق والمطالبة بالحق وتمكين الحق، بل الفتنة في الفساد الأكبر الذي حكم به أحكم الحاكمين بقوله: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ج إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }.

إننا ندرك أنَّ الكثير من الحكام لن يشاركوا الشعوب فرحها، لكن على أقل تقدير  عليهم أن يتحمّلوا فرح المحرومين ولم لا نفرح  معهم؟ بل سنفرح  وسنشكر الله أن أرانا في الظالمين عجائب قدرته، لأننا نؤمن بالله الذي  يقول:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ} هذا الذي يدور في تونس ومصر، فيه شفاء للصدور المكلومة والمقهورة {وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ }

ولن نقف عند حد السرور والفرح بل سنشمت أيضاً بالظالم إذا هلك لأنَّ النبي صلَّى الله عليه  وسلَّم لما جيء له برأس أبي جهل في بدر قال: { آلله الذي لا إله إلاَّ هو } هذا فرعون هذه الأمة، و سنسخر من دحرجة الأنظمة الطاغية إلى هاوية التاريخ غير مأسوف عليها، لأنَّ الله قال على لسان نوح عليه السَّلام :{ إِن تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ * فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ}.

وسندعو لإخواننا بالنصر والتمكين لأنَّهم إخواننا،  ونصرهم نصرٌ لنا وسندعو على الظالمين سراً وعلانيةً و في الركوع والسجود ولو همساً دعاء السميع العليم وكفى به وهذا هو العدل والحق، فلم يكن موسى عليه السلام متجاوزاً  ولا معتديا ولا مثير فتنة حين قال: {رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَن سَبِيلِكَ   رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَىٰ أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ *قالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} بل المجرم فرعون الذي يقول :{ذروني اقتل موسى وليدع ربَّه} هذا رأينا في هذه الأحداث فمن لم يتفق معنا فليعتبرها وجهة نظر وحرية تعبير.

إنَّها صرخة من فم كل مواطن مظلوم: أفيقوا أيُّها الحكَّام،  وكونوا على مستوى تطلعات المرحلة أو ارحلوا ، فإنَّ أجيال الانترنت والفيس بوك والتويتر لا يمكن أن تواجه بالجمال والبغال والحمير كما فعل فرعون هذا الزَّمان، لقد حصحص الحق، وتغيَّرت قواميس الخطاب وتبدلت المداخل والمخارج  والوسائل والتحالفات ولا سبيل للظالمين على المظلومين من الشعوب لما ينتصرون لأنفسهم لأن الله  فوضهم بذلك وسيحميهم {وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَـٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ} إنَّما السبيل على الظلمة  هذا قول الله تعالى:{ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ج أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

أمَّا من يحكم بين الناس بالعدل ويرأف بشعبه يحبه شعبه ويحبونه فإنَّنا قطعاً سنحبّه  لعدله كما يحبّونه، وهو ليس مقصوداً بهذا الخطاب وعليه ألا تأخذه العزة بالإثم  فينصر الظالم على المظلوم فيفسد ما  في قلوب الناس له من محبة  فكما نطالب الحكام بالعدل فإننا أيضاً ننظر إليهم بعدل ليس الفرق بين الخليفة الرَّاشدي والأموي فحسب، بل الفرق أيضاً بين فرعون والنجاشي فكيف بالفروق بين المسلمين فيما بينهم.

يا أيُّها الظلمة من الحكَّام، اتعظوا بما يحدث  وتذكروا أن الله بدأ بالأشد قوة وأكثر جمعاً ليكون لمن خلفه آية لكن {إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ   لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } هذا الذي يجري ليس من صنع الأحزاب والجماعات التي تحاربونها ليل نهار، فلا داعي للاستنفار المخابراتي والتوجس  والاستدعاءات الليلية والتعهدات والتحذير المسبق، لقد تجاوز الزمن تلك الإجراءات  ومن كان يقوم بها وأصبح اليوم من حسن حظ الحاكم أن يجد من شعبه من لا يزال يصدقه بنصيحة تنجيه من عذاب أليم ولم يفقد فيه الأمل كغيره. هذا الذي يجري هو طوفان التغيير الرَّباني؛  هو التمكين والأمن الحقيقي الذي حكم به الملك الجبار الواحد القهار {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ج يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } إنَّه منَّة الله على المستضعفين  في الأرض { وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ} .

قراءتنا لما حدث في تونس وما يحدث في أرض الكنانة قراءة  قاصرة، لأنَّه أمر يفوق الخيال وتعجز عن وصفه الكلمات، وتحار فيه العقول حتى أحزاب المعارضة التي أمضت عقوداً في التنظيم والبناء أصبحت ضيفاً على حركة 25 يناير في ميدان التحرير في مصر، كما وجدت نفسها أحزاب المعارضة التونسية من قبل، والملايين في طول العالم الإسلامي وعرضه في تفاعل تاريخي عظيم، ترك النَّاس أعمالهم وتفرغوا وتضرعوا، شعر الناس بالنصر والفرج والتمكين، انتابهم نشوة التحرر والانطلاق من ربق الرِّق والكبت والحرمان، والاستبداد،  نحن  الشعوب العربية والإسلامية لنا شرف الضيافة وجدانياً على مائدة أبطال ميدان التحرير في قاهرة المعز هكذا كان موقف عامة الناس بما يكنونه من حب للكرامة والخير والعدالة والقسط بين الناس بغض النظر عن أعراقهم ودياناتهم.

لكن ضحايا الإجراءات الأمنية الخاصة عبر السنين العُجاف في بلاد العرب لهم قراءات أخرى لهذه الأحداث قراءات باكية دامية لا ينفع فيها  الشكوى لغير الله، لهم الويل إن أعلنوها ولهم الويل إن بكوا منها بل ولهم الويل إن فكروا فيها سرا،  لا يمكن استرداد حقوقهم النفسية والمعنوية بسقوط الطاغية، دواؤهم فقط الخلوة مع القوي الجبار الذي هو أملهم وفيه ثقتهم و فيه عزاؤهم  لما أصابهم، ولهذا آثروا أن يشاركوا الناس فرحتهم فيما يجري من شفاء صدور قوم مؤمنين في الدنيا داعين إخوانهم لمشاركة فرحتهم يوم العرض الأكبر يوم تقتص الشاة الجلحاء من الشاة القرناء يوم ينادى فيه {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ  لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} و {يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار}.

قابلت يوماً من أحسبه من أولياء الله  فوجدته مكسوراً مقهوراً مضطرباً رغم مرور أكثر من عشر سنوات على نجاته السجن قلت له: لن أدخل فيما بينك وبين مباحث أمن الدولة من تفاصيل ولكن ألا يمكن أن تكونوا خارجين على القانون دعاة فتنة كما قال لنا الإعلام عنكم والحاكم يريد بسجنكم وتعذيبكم ومحاكمتكم، حفظ مجتمعه منكم، فقال حتى أنت يا ألله!!!  فبكى وتمثَّل بقول الشاعر:

بنفسي وأهلي من إذا عرضوا له***ببعض الأذى لم يدر كيف يجيبُ
فلم يعتذر عذر لبريء ولم تزل***به غصةٌ حتى يقال مريبُ...

فقال: إليك عنِّي، فإنَّك لن تستشعر مصيبتي في نفسي وجسدي وأهلي وديني وعرضي ومالي وكرامتي أنا لست مجرما وربي اتق الله ولا تكن للخائنين خصيماً وتذكر وعيد الله ولا تجادل عن الظالم { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَم مَّن يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا }.

فاستوقفني كلامه وصدقه وعمق جراحاته، وقلت: حقاً، إنَّ لصاحب الحق مقالاً، كأنِّي أنظر إلى عينيه مغرورقين بالدمع والشيب يعلو عارضيه  وقد بدا منه ما يستنكر على مثله في عمره وهو يقول لي يا هذا ها أنذا في العقد السادس من عمري لم أكن يوما أتطلع إلى شي أكثر من أن أعيش آدميا إنساناً كما خلقني ربِّي و كرَّمني  أنا وذريتي، وهذا ما أوصلني إليه الطغاة سجنوني عذَّبوني طردوني من عملي،  جرَّموني في وسائل الإعلام روعوني وروعوا أطفالي ووالدي تركوني محطما كما ترى  هذا ما أذكره  لهم ولن أنساه حتى أوارى الثرى، ولهذا  آثرت أنا أمثالي من المئات تأجيل الحساب في هذا  من الظلمة ليوم الحساب، وختم كلامه داعيا  (اللَّهم، إن كنَّا ظالمين، فانتقم منا، وإن كنا مظلومين، فانتقم لنا ممن ظلمنا)، فالتفت إليَّ وقال: أرضيت؟ قلت نعم  وربِّ الكعبة، لقد أنصفت خصمك وقد أمنت على دعائك، قال: إذاً امضِ في سبيلك ولنا ربّ معنا يسمع ويرى، وإن لظالمين يوماً، إنَّ موعدهم السَّاعة، والسَّاعة أدهى وأمرّ !!! فبكى وأبكاني وانصرفنا، فقلت في نفسي: أعانهم الله على ما لاقوه من ابتلاء، والحمد لله الذي عافانا ممَّا ابتلاهم فيه اللهم من لام هذا على شكواه أو سخر منه في بلواه فضعه مكانه لكي يتعظ، اللهم انصره ومن معه من المظلومين الذين لا نعلمهم، ولكن الله يعلمهم، وكفى به، ومن هنا فهمت لغز الطوفان .... والله المستعان وعليه التّكلان، ولا حول ولا قوة إلاَّ به، اللَّهم أعزّ الإسلام والمسلمين، واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنَّك سميع مجيب.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

واليائس إذا سلك سبيل الأنبياء!

كاتبني أحدُ المكلومين: "ألا ترى أنّك تكتب عن الثبات وتباشير النصر، بينما لا يجد أحدنا …