أيُّها الناس، هذا يوم من أيام الله، هذا يوم فرح عظيم في حياة هذه الأمَّة التي لم تذق طعم الفرح منذ عقود.
أن تنبعث الأمَّة من رقاد، أو من سبات، أو غيبوبة، أو إغفاء، أو إغماء، سمِّ ما تشاء.. أن تعود لتملأ الدنيا وتملأ الوجود.. حياة وقوة وحضوراً وعطاء.. ولا أتكلم عن حصاد الثورة.. فهذا ثمرة، أعظم منها انبعاث أمَّة.. فهو الشجرة. لقد عادت الرُّوح وعادت الحياة وعادت القوَّة والشأن.. وانتهى زمن التغييب والتهميش والتطنيش والاستبداد والتزوير والإلغاء.
مضى زمن.. وجاء زمن.. مضى زمن الانكفاء لأقطار سادها الاستخذاء، وعاد زمان الانتماء والعطاء.. انتهت ثقافة، وجاءت محلها وحلت بدلها ثقافة. ثقافة الضعف والخوف ولَّت بغير رجعة إن شاء الله. وجاءت مكانها معاني العزة والمنعة. انتهى الشتات وضرب الناس بعضهم ببعض وجاء وقت الاتحاد، والترابط والتلاحم. وحكاية مسيحي-مسلم التي لعبها النظام قبل أيام من اندلاع الثورة، انكشفت تماماً الآن. ولقد بحث النظام عن كبش فداء ليلصق به فعلته الشنعاء النكراء، فما وجد من يرضي الغرب وإسرائيل ويرضي نزعة الصِّغار والحقد المعتق لديه أكثر من إلصاقها بغزة.. انكشفت الآن بمنتهى الوضوح. كانت في دائرة الاحتمال، فأصبحت في بؤرة اليقين، وكأنَّه كان يستشعر الثورة فأراد قطع الطريق عليها.. فما وجد أفضل من إثارة فتنة مسيحي-مسلم، وقد لعبها السادات من قبل.
والآن أفسّر ما شغلني من شديد استغلال النظام للحدث والتوظيف الهائل له لقد كان يريد التفاف الناس حوله باعتباره حامي حمى الوحدة واللحمة.. فإذ به هو من يقطع الأواصر: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}، {وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا..}
خطة قديمة استخدمها رمسيس القديم من قبل، ورمسيس الجديد.. بلا إنجازات القديم.
على كلِّ حال نحن في مرحلة ما بعد فرعون.. وهذا فضل الله العظيم على هذه الأمة: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}. ولا تنسوا أننا في سنة هجرية جديدة في مطلع محرّمها يوم نجاة موسى وإهلاك فرعون.. ويشاء الله أن تعود الأيام والمناسبات، وأن يستدير الزمان دورته ليكون في سنة جديدة نجاة المؤمنين وهلاك فرعون.. وترحيل طاغية.
هذا باختصار يوم انتصار.. هذا هو يوم الاستقلال لمصر.. لا أي يوم آخر. لكن.. المجرمون يماطلون حتى لا يفرح المؤمنون!
2- الأمم بأئمتها
كانت أمريكا وما زالت تدير الأمم والدول والشعوب عن طريق الوكلاء أو العملاء أو القادة التابعين لها. فأي قائد يخرج عن طوعها وأمرها فالملاحقة والمطاردة بانتظاره. وكم مؤامرة دبرت ضد كاسترو؟ وكم مثلها دبرت ضد تشافيز وكم حرباً شنَّت على دول بهدف واحد ووحيد هو تغيير قائد تلك الدولة، ولعلَّ أقرب الأمثلة الحرب على العراق، التي سمَّاها الأمريكان ومتعاونو العربان: حرب تحرير العراق.. وما هو إلاَّ الإقصاء والإبعاد لزعيم قوي صنع من العراق شيئاً وصنع لها شيئاً.. وإن كانت له أخطاء. ولكن هل أخطاؤه تقاس إلى خطايا خلفائه من أمثال المالكي وأضرابه؟ وهل تقاس بأخطاء نظام مبارك؟ المسألة ليست أخطاء قائد ذاك البلد، وإنما يريدون قائداً تابعاً يجري تصنيعه على عينهم ليدمر بلده ويهلكها بالفساد والمفسدين والعملاء والمجرمين. كل ذلك إدراك لأهمية القائد في الوطن والأمة والشعب، وقد عبَّر عن هذه المعاني القرآن العظيم بجوامع القول إذ قال: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} ]الإسراء: 71 [.
فالقائد يقود البلد والناس في الدنيا ويوم الدين. ولذا قال القرآن عن فرعون الذي قاد شعبه إلى الهلاك في الدنيا، قال عنه إنه سيهلكهم في الآخرة: {فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ * وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} ]هود98-99[، وإدراكاً من الشعب المصري لكل ذلك، فقد قرَّر ألا يهلك في الدنيا ولا يدخل النار في الآخرة.. فقرَّر تغيير الإمام الذي كان يقوده إلى الخراب في الدنيا والآخرة! وقد أفلح إن شاء الله. وبقي أن يقطع الذنب بعد قطع الرأس: فأتبع رأسها الذنبا. هذا جهاز لا ينبغي أن تبقى منه باقية.. لأنه سينبت، مثل الأعشاب الضارة.
وشعب تونس منع كلّ من كان في الحزب الحاكم الذي أفسد البلاد والعباد أن يتولى أحد منهم وزارة أو نيابة.
وهذا ما ينبغي أن يكون في مصر. لا من باب الانتقام. ولكن من باب إحقاق الحق، ومن يضمن أن هذا المفسد يمكن أن يتغير؟
ولست أريد أن أقارن بين مصر ناصر ومصر مبارك.. فقد أعدت هذا مرات. مصر ذات وزن هائل زمان الأول، ومصر في حال مائل زمان الأخير زمانه!
فعلاً الأمم بالأئمَّة. وهل ننكر أنَّ الأمة بعد عمر نزل منحناها البياني؟ مع أنَّ الذين من بعده صحابة كرام أجلاء، وعثمان هو ذو النورين، ومع هذا فإنَّ الخط الصاعد توقف وبدأ الخط البياني بالانكسار.
لكل ذلك تمنع أمريكا العالم العربي بالذات أن يكون الأئمة فيه بالاختيار.. وأمريكا الآن تدس أنفها لتعين سليمان بدل الذاهب.. لتظل مصر في قبضتها أو سلتها!
3- ثورة الإعلام..
الثورة مولود.. حملت به أمّة مدَّة من الزمن نتيجة ممارسات قادت إلى احتقانات ثم تولَّدت ثورة..
ولكن الإعلام له دور مهم في عصر الصورة والكلمة وثورة وسائل الاتصالات وزمن الفيس بوك والتويتر. ولئن كانت ثورة الخميني ثورة الكاسيت فإن ثورة الشعب المصري.. ثورة شعب وثورة وسائل الاتصال.
كانت "الجزيرة" جيشاً.. وقنوات الظهير كانت جيشاً.. ولذلك فإن بلطجية النظام كانوا يعدون الكاميرا كالرشاش، أو المدفع، ويهدّد الصحافي في حياته وأمنه ويلاحقه البلطجية ملاحقة المجرمين.. إدراكاً من النظام –الذي لا يدرك- لخطورة الصورة ونقلها.
لا يريدون أن تنقل الكاميرات صور الرؤوس تتفجر أدمغتها تحت عجلات سيارات الأمن المركزي المنطلقة وسط الجماهير.
لقد سبق حصار ميدان التحرير.. ميدان الأحرار.. مطاردات لتنظيف المنطقة من الصحافيين والمصورين.. حتَّى تتم جريمتهم، أي: البلطجية دون شهود ودون توثيق..
ومن الملفت أنَّ الإعلام المصري وبعض الذي كان يمثل على الناس أنه إعلام معارض في مصر، انكشف كل ذلك، وأنه زيف في زيف، فالحياة رايقة كما يصوّرونها. وفي مقابلة صحفية ثمثيلية تلفزيونية مع عمر سليمان كانت الصنعة واضحة والتزييف واضحاً، والأسئلة المفبركة المتفق عليها واضحة، ومع هذا كانت النظرات الزائغة تفضح المخبوء، والريق الناشف يكشف الحرج!
لقد شغلت الثورة الإعلام العالمي كله.. وحظيت بتغطية غير مسبوقة منذ عقود. لقد شهد العالم هذه الثورة وعظمة الشعب الذي فجرها ونقل كل ذلك وسائل الإعلام، فلا شك أنها جزء مهم في الثورة بدءاً ومسيرة ومصيراً..
4- البلطجية.. السلاح الأخير.
في اليومين الأخيرين أو الماضيين، ربما كانت أكثر الكلمات تردداً في الإعلام: البلطجية، والله وجاكم يوم صرتم فيه شيئاً مذكوراً يا حثالة البشرية.
والبلطجية جمع بلطة جي وبلطة معروفة وجي للنسبة مثل جزمجي وقلعجي. وهي كلمة تركية تعني الذي يعمل بالبلطة، إما في قطع الخشب أو التلحيم. ثم استخدم هؤلاء في انتخابات النظام المصري في ترويع الناخبين وتكسير عظام بعض المرشحين الذين لا يعجبون النظام. وقد سلط بعضهم على (أحمد منصور) صحفي الجزيرة المشهور فضربوه في ميدان من ميادين القاهرة.
وفي عهد الشاه في مواجهة ثورة الشعب الإيراني، كان السلاح الأخير الذي استخدمه الشاه هو هؤلاء البلطجية، فأشاعوا الفوضى والخراب والترويع، لقد ضرب الشاه سهمه الأخير، وطاش سهمه، وصمد الشعب وانتصرت الثورة، وذهبت مؤامرة هؤلاء أدراج الرياح.
واليوم يستخدم النظام الذي فقد شرعيته آخر سهم في جعبته: سلاح البلطجية فهددوا الصحافة، واستخدموا الهراوات في الضرب في قاع الجمجمة ضربات احترافية أوقعت مئات المصابين، غير من فقئت عيونهم، وغير من قتلوا، سوى إشعال الحرائق، وقد كانت معهم أوامر بإشعال الحريق في المتحف المصري الذي يضم نفائس الآثار بما فيها جثة رمسيس الذي قال الله عنه: "فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية."
والشباب الثائر كان يطفئ النار باستخدام قمصانه وملابسه. فانظر الفرق. وتأمَّل قول الذي يخاف أن تشيع الفوضى في مصر إن غادرها!
لقد ارتحل قادة عظام من الدنيا، وما خربت الدنيا بعدهم. فهل تخرب الدنيا من ارتحال بقايا مصابة بتصلب في العظام..؟ جرب أن ترحل.. ولكني أعلم أنك لا تريد التجربة لأنك تعلم يقيناً أنَّ الخراب في بقائك.. والعمار في غيابك.
فإن لم ترحل باختيارك.. فسترحل باضطرارك..
وسترحل مجلّلاً بعارك.. وقد قُهرت بأقدارك..
وأنت تعلم أنَّ الطائرة بانتظارك!
والتي تقول: (هل من مزيد) بانتظارك.