بصائر - خاص
لقد جاء الأنبياء والرّسل عليهم السَّلام برسالة واحدة، هي رسالة التوحيد لله عزَّ وجل وإخلاص العبادة لله وحده واجتناب الشرك بالله، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}.[النحل:36].
وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ } [الأنبياء: 25].
وكما ثبت في صحيح البخاري، عن أبي هريرة أنَّ النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: ((نحن معاشر الأنبياء إخوة لعلاَّت*، ديننا واحد))؛ يعني بذلك التَّوحيد، الذي بعث الله به كلّ رسول أرسله، وضمَّنه كلّ كتاب أنزله، وأمَّا الشّرائع، فمختلفة في الأوامر والنواهي، فقد يكون الشيء في هذه الشريعة حراماً ثمَّ يحل في الشريعة الأخرى، وبالعكس، وخفيفًا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه، وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة، فكل نبيّ من أنبياء الله عالج مشكلة معيّنة من مشكلات قومه؛ فنبيُّ الله شعيب عليه السَّلام عالج مشكلة قومه الاقتصادية، قال الله تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ}.[الأعراف:85].
ونبي الله لوط عالج مشكلة قومه الأخلاقية، قال الله تعالى:{ وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ}.[الأعراف:80-81].
ونبيُّ الله صالح عالج مشكلة قومه الاجتماعية والعمرانية، قال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.[الأعراف:74].
وهكذا كلُّ الأنبياء والرُّسل كانت رسالتهم خاصة إلى قوم مخصوصين، إلى أنَّ جاءت رسالة الإسلام الخاتمة، ليكتمل البناء الذي بدأه الأنبياء السابقون، وتكتمل الرِّسالة التي بلّغها الرّسل السابقون، وإلى ذلك يشير النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم بقوله : ((مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلاَّ موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون ويقولون لولا موضع اللبنة )) (البخاري ومسلم).
فمن أبرز خصائص هذه الرِّسالة التي حملها خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات ربّي وسلامه عليه :
- أنَّها رسالة خاتمة للرِّسالات السابقة، قال الله تعالى: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ }.[الأحزاب:40].
- أنَّها رسالة ناسخة للرِّسالات السابقة، فلا يقبل الله من أحد ديناً إلاَّ باتِّباع محمَّد صلَّى الله عليه وسلَّم، قال تعالى: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }.[آل عمران:85].
- أنَّها رسالة عامة لجميع النَّاس، قال الله تعالى:{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}.[سبأ:28].
------------------------------------------------------
* العلات : (بفتح المهملة الضرائر، وأصله أنَّ مَن تزوَّج امرأة ثمَّ تزوج أخرى كأنَّه عل منها، والعلل الشرب بعد الشرب وأولاد العلات الأخوة من الأب وأمهاتهم شتى، وقد بينه في رواية عبد الرَّحمن، فقال: وأمهاتهم شتى ودينهم واحد) . انظر: فتح الباري.