الخوف في القرآن .. صوره واستخداماته

الرئيسية » بصائر قرآنية » الخوف في القرآن .. صوره واستخداماته
alt

إحصاء كلمة خوف ونظائرها و أشباهها، وما خالفها وضادها من مفردات في القرآن الكريم نتيجته مذهلة مدهشة من حيث الكم والعدد، هذا الحشد الهائل من البيان القرآني لموضوع الخوف الغاية منه خلاص الإنسان من آثاره و مترتباته على النفس البشرية، وعلى المجتمعات و الدول والأمم، ونكتفي في هذا السياق بمادة (خ و ف)؛ إذ اشتق القرآن الكريم من هذه المادة خوف 36 مشتقة، وردت في 124 آية.

فخالق النفس البشرية عالم بمكنونها ومكامن الشعور في أعماقها{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك14]. وبعد ذلك يعلم الجهر ويعلم السِّر و الأخفى {وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى} [طه7]

يعدّد القرآن الكريم مكامن الخوف و مصادره بدنيا الناس، وهو انفعال يحدث في النفس لتوقع مكروه أو أذى، وعلى ما قدمنا فالأطر القرآنية تستوعب وتحصر كلّ صور الخوف ولا تنسى ولا تستثني،هي لا تعدّد حالات الخوف بمفرداته وأعيانه، فحالاته من العدد والكثرة والتكرار ما لا يحصى، ولكنّ الخوف متماثل متشابه في أسبابه وانبعاثاته ونتائجه على الأفراد والمجتمعات، فالآيات القرآنية عناوينه العامة وأطره الحصرية، فلا خوف اعترى الإنسان أو اجتاح مجتمعاته، إلاَّ وله في الذِّكر الحكيم وصف و دواء وتخلص.
ويمكن إجمال عناوين الخوف في القرآن الكريم وتصنيفها، الخوف السلبي المذموم المنهي عنه، والخوف الإيجابي المأمور به الممدوح أهله، خوف من الله وبُشر صاحبه بالجنان{وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} وخوف من غير الله ومن دونه{فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران175]، خوف يميت الحياة ويشلها وهو خوف الدنيا، وخوف باعث للعطاء والبناء خوف الآخرة.

ولنمثل للخوف ببعض من الآيات:
*خوف من الله مأمور به {وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران 175] وخوف من الله في مواقف تقرير مصير الأمة بصحبة موس عليه السلام {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا} [المائدة32], وخوف من الله في ظروف و أجواء جريمة قتل وتعدي بين ابني آدم
{إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة28].

* الخوف من العدو، وهو الأغلب و الأكثر، ويكون أشد وأعظم إذا خالطه الجوع ونقص من الأموال و الأنفس والثَّمرات {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}  [البقرة155].

*الخوف من الهزيمة، و التصوير في سورة النساء للحالة في واقع مجتمع الدّعوة الناهض و مكوناتها المختلطة من أهل إيمان وصدق مع أصحاب نفاق وكذب، و كأنَّ الصورة متكرّرة معادة في كل المجتمعات و حالة كل الأنفس إلى آخر الزَّمان {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِه}  [النساء 83] .

* الخوف من الحرب يعتري أهل النفاق وأهل المصلحة، يفضح عنهم سخائم النفوس ومواقف الخزي {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} [الأحزاب19]

*خوف الميل عن الحق و الإجحاف والظلم بالعمد، أو الخطأ في تقسيم الميراث وتوزيعه {فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْما} [البقره182]

*خوف المتخاصمين عدم إقامة حدود الله في العلاقات الاجتماعية و الأسرية  {إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ} [البقرة229]، ومنه الخوف من نشوز النساء{وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء34]، وفي المقابل الخوف من نشوز الأزواج والإعراض عن الزوجات {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً} [النساء128] .

*الشَّيطان يخوِّف الإنسان بأوليائه، ينزع تخويف الشَّيطان وتخويف من والاه من قلوب المؤمنين {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [أل عمران 175]

*خوف المحتضر على ضعاف اليتامى{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء9]

*بعد أن يستوطن الوهن وتكون الرِّدة عن الدِّين، يستبدل الله بآخرين مجاهدين في سبيل الله لا يخافون لومه لائم {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائم} [المائدة54]

*قريش تأمن ولا تخاف ، رمز الأمن والأمان في التاريخ البشري {وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}

*خوف اليوم الآخر وأهواله وأحواله ودواهيه الموصوفة {إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً} [الإنسان10]. }يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ{ [الزخرف 68]

*خوف من آيات الله الكونية الرعد والبرق والأنواء في البر و البحر {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} [الرعد12] {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} [النور40]

*خوف سلطان فرعون وبطشه وعلوه، وفتنة ملئه وزبانيته للقلَّة المؤمنة المستضعفة {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ} [يونس83]

والسياق في المصحف يطول ليشمل كلّ حالات الخوف البشري و أسبابها، وتصوير ما يصاحبها من آثار بشقيها الإيجابي والسلبي، ويعالج ويربِّي ربُّنا الخالق  بالأمر وبالنَّهي، وبالتَّرغيب وبالتَّرهيب في الوقت ذاته، لما يصلح حال النَّاس، فينزع ويدفع، وينهى ويقاوم الخوف، ويأمر ويخلل ويملأ القلوب خشية لخالقهم عزّ وجل.

معلومات الموضوع

الوسوم

  • قرآن
  • اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

    شاهد أيضاً

    alt

    {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ}

    ها هو شهر رمضان الفضيل قد انقضت أيامه ورحلت عنّا لياليه المباركات التي كانت مليئة …