حديثُ النَّفس هو نوع من أنواع المحادثة التي نقوم بها مع أنفسنا، هو ذلك الصَّوت الذي نسمعه دائماً في رؤوسنا، وذلك الصَّوت الذي يرسم توقعاتنا ونظرتنا للعالم بأسره.
ولهذا الحديث وجهان؛ فعندما يكون سلبياً وهدَّاماً ينعكس في سلوك صاحبه فيغدو انسحابياً وسلبياً تجاه العالم بأسره، أمَّا عندما يكون هذا الحديث إيجابياً، فإنَّه يدفع بصاحبه إلى منتهى السَّعادة إلى الأمام.
وقد أثبت العلم أنَّ الإنسان يفكِّر من خلال مجموعة صور عقلية وأحاديث داخلية من خلالها تستمد بعض المشاعر والانفعالات؛ أيّ من خلال هذا النشاط العقلي، فإذا أردتِ أختي الغالية التحكم بمشاعرك يجب عليك أولا ملاحظة أفكارك كخطوة أولى لإدارة الذَّات.
بل إنَّه يجب عليك أن تلاحظي خطابك إلى نفسك، وكيف تقومين بقيادتها؟ لا بدَّ أن تقومي بالإجابة عن بعض الأسئلة: هل أنتقد ذاتي باستمرار؟ أم أنتقد الآخرين باستمرار؟ هل أشكو الحياة وأعاني من قلة الرّضا؟ هل أشكو معاملة فلانة، وكيف أساءت، وكم أنا مظلومة وضحية!!
الحديث السلبي .. موت بطيء
هل حدثتك نفسك أنَّك ستخسرين ولن تنجحي! وأنك صاحبة أخطاء كثيرة؟
تخيّلي لو أنَّ لديك صديقة غير مرئية تقضي معك ساعات، وهي دائمة الهمس في أذنيك بمثل تلك التعليقات السلبية التي ذكرت، فكيف سيكون شعورك بانتهاء هذا اليوم مع هذه الصديقة؟ بل كيف سيكون شعورك بعد شهر واحد معها؟
أليس من المرهق أن نحمّل ذواتنا أصدقاء سلبيين يزيدون على الحياة ضغوطا لا تحتملها الحياة! فكيف إذا كان هذا الصديق غير المحتمل هو أنت!
نعم؛ إنَّك بتلك الأفكار السلبية والانتقادات وعدم الرِّضا وخاصة عندما تكون أفكاراً غير ملاحظة من قبلك، تكونين قد أدرت مسرحاً يعرض السلبية، ويستدعي مشاعرها المناسبة أمام العالم كانفعالات وردود أفعال..
من سبل النجاة
تعدُّ الملاحظة أوَّلَ الطريق في إصلاح الذات، ففي كلِّ مرَّة تنتبهين فيها أنك تنتقدين أو تسخطين أو تقللين من شأنك (توقفي)، وذكِري نفسك أنَّها عادة قديمة، ومن الآن فصاعدا ستقومين بتغيير هذه العادة بإذن الله، مستخدمة لغة لطيفة أثناء إدارة هذا الحوار الداخلي، فالنفس المثقلة بالسلبية لا تحتمل أن تواجه بسلبية..
من هنا تكون الملاحظة والمتابعة واحدة من أهم الاستراتيجيات لاستبدال أحاديث النفس السلبية بأخرى إيجابية، أمَّا الاستراتيجية الأخرى فهي: الكتابة، فإذا هممت بفكرة سلبية فاكتبيها، أو إذا انتقدت ذاتك أو الآخرين أيضاً، وهكذا مع نهاية كلِّ يوم قومي بتحليل هذه الأفكار، وهي وسيلة رائعة لتشخيص ما يدور وراء الكواليس، وذلك للمساعدة باستبدال هذه الأفكار بأخرى إيجابية مكتوبة.
عقولنا.. ملفات
يجب أن نضع نصب أعيننا ملفيْن مهمَّين في عقولنا؛ الأوَّل: ملف خاص لتكبير بعض الأفكار، وملف آخر: لتصغير بعض الأحداث أو الأفكار، فنكبر الأفكار الإيجابية والإنجازات والأحداث السارة حتى تصبح لدينا عادة ملاحظتها والسعادة بها، ونصغر الأفكار السلبية والأخطاء التي نقوم بها نحن والآخرون، ونظل نصغرها حتى تبدو صغيرة جدا غير ملاحظة.
وقد أشار "Shad Helmestetter" في كتابه الشهير ((ما يجب قوله عندما تحدث نفسك))(What to say when you talk to yourself)، إلى ذلك عندما أكد بأنه (من لحظة الولادة يتم تخزين كل كلمة قيلت لك، وكل رسالة وصلتك شفويا، وكل ما سمعت، وكلّ فكرة فكرت بها في الدِّماغ ويسجلها عقلك اللاواعي مثل جهاز الكمبيوتر تماماً، وهذا الجزء من الدِّماغ الذي قام بتسجيل كل هذه الملفات في عقلك لا يستطيع حقيقة التمييز بين ما هو حقيقي وما هو غير حقيقي، أو ما هو إيجابي أو سلبي، إنَّما مهمته أن يقوم بالتخزين لاستدعاء هذه المعلومات عند الحاجة.
وبالطبع تصبح هذه المعلومات بمنتهى القوة حين تكرارها وترسخها في العقل اللاواعي، ومن هنا تنشأ أحاديث النفس إمَّا الإيجابية أو السلبية بحسب الأحاديث والأفكار التي يسمعها الإنسان طوال حياته، وهذه أهم برامج جهاز الكمبيوتر الذي نحمله داخل رؤوسنا ويتحكم في حياتنا، وإن أيّ برنامج كمبيوتر يمكن تغييره بسهولة إذا أردنا ذلك، وكذلك بالنسبة لأفكارنا التي لا نريدها.
يقال: ( قد نستغرق وقتا طويلا لتغيير الطريقة التي تأقلمنا عليها في التفكير حيال أنفسنا، لذلك علينا التحلِّي بالصَّبر).
ويقول صاحب كتاب ((ماذا تقول لنفسك عندما تخلو بها؟)): (لنثبت أن لكلٍّ منَّا نفساً عظيمة، يمكن أن ننتقل بها من حالٍ إلى حالٍ، لو أحسنا حديثنا معها)..
فلنغيِّر برمجة لغة حوارنا الشخصية.. إنَّه حديث النَّفس الذي يرسم معالم الحاضر وملامح المستقبل، فلتفطني أختاه لذلك..
-------------------------------------------------------
مراجع للاستزادة:
- ماذا تقول لنفسك عندما تخلو بها - عبد الله على العبد الغني.
- أنصت يحبك الناس - محمد النغيمش.
The self talk –Solution: Shad Helmstetter-