عندما بلغت فاطمة السَّابعة بحمد الله، سن الصّلاة وبداية الصلة الفعلية مع الله، يوم مولدها الحقيقي الذي كنَّا ننوي أن نحتفل به مع أصدقائها بلباس الصَّلاة وبصلاة العصر جماعة، فيما لم نحتفل بستة أعياد ميلاد خلت من المعنى سوى انقضاء سنة من العمر، كان الصالحون يبكون على انقضاء أيامها وشعارهم: (ما حزنت على شيء حزني على يوم غربت فيه شمسي ونقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي).
وكنا نأمل أن ندعو الكثيرين من أحبَّاء فاطمة بحضور الجسد لمن يستطيع وبحضور القلب والدعاء لمن سيغيب.
يعتريني دائماً شيء من القلق في هذه الفواصل العمرية لفاطمة: سن الصَّلاة، سن دخول المدرسة، كم حفظت من القرآن في عمر كذا؟ كم حفظت من الشعر في سن كذا؟ ماذا تعرف من المعلومات؟ ماذا تتقن من المهارات؟ كيف تستغل وقت الفراغ؟ وغيرها من الأسئلة..
لطالما أعجبتني وأنا أفكِّر بتربية فاطمة، فكرة إخواننا المصريين في تحضير جهاز العرس لبناتهم منذ ولادتهن، والهم الذي يحملونه على مدى أكثر من عشرين سنة في رصّ الغالي والنفيس بعضه فوق بعض حتى يصل سقف البيت، ووضع قائمة بالمساهمات والممتلكات لتعرف الفتاة ما لها وما عليها عند زوجها.
وأنا أيضاً تقلقني فكرة زواج فاطمة منذ أن كانت جنيناً، فكنت أدعو لها ولأختها -رحمها الله- بدعاء امرأة عمران لابنتها مريم {وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرَّجيم}.
وكنت ومازلت أدعو لها في كلِّ ما عرفنا الله من مواطن استجابة الدعاء، أن يصنعها الله على عينه ويصطنعها لنفسه ويستعملها في دينه ويلقي عليها محبَّة منه كما ألقاها على موسى، ويعلمها كما علم آدم ويفهمها كما فهم سليمان عليهم السَّلام أجمعين، وأن يرزقها بزوج صالح يختاره لها فلمَّا يأتيني خاطباً أعرف أنَّه المقصود والمطلوب، يرتاح له قلبي وقلب فاطمة من أول نظرة ومن أول استخارة، أحسُّ أنَّه ابني الذي لم ألده، وتحس فاطمة أنَّه زوجها الذي خُلق من نفسها كما خُلقت من نفسه، قبل أن نسأله عن أصله وفصله ونسبه إلى سابع جد ومؤهلاته وحساباته.. أليست المحبَّة نور يقذفه الله في القلوب؟؟
أدعو أن يأتي فاطمة خاطباً لا لعيونها السُّود، ولا لبشرتها البيضاء، ولا لشهاداتها العلمية، ولا لحسبها أو نسبها، أدعو أن يأتيها ساعياً لجهاز آمل أن يعينني الله على تجهيزها به.
سأقول له: إنَّها تربَّت على محبَّة أبيها -رحمه الله- وفي كنف أهلها وأسرتنا الكبيرة، فحصلت من المحبَّة فضلاً عظيماً.
سأخبره أنِّي جهزت ابنتي بالصَّلاة في سن السابعة، وأنَّها من يومها لم تضيِّع فرضاً، آمل من الله أن أخبره أنَّ فاطمة لبست الحجاب باختيارها منذ نعومة أظفارها قبل البلوغ، تخلع وتلبس في دورة تدريبية من نفسها لنفسها، فلمَّا وصلت سنّ التكليف ما احتجت أن أقنعها ولا أناقشها، لأنَّ الأمر كان شيئاً من فطرتها رائقاً رقراقا عذباً كشرب الماء.
أدعو الله أن أخبره أنَّ فاطمة تحفظ القرآن الكريم كاملاً، والكثير من الأحاديث وقصص السيرة، آمل أن أخبره أنَّ فاطمة كأمّها حفصة بنت عمر، كما وصفها سيدنا جبريل: ((إنَّها الصوّامة القوّامة)).
آمل أن أخبره أنَّ فاطمة تحفظ من عيون الشعر ما طاب وعف َّ وأثمر من البيان سحراً وحكمة، وتتقن اللغات، وتختم في كلِّ شهر كذا كذا من الكتب.
آمل أن أجهِّزها بوصية أم الخنساء لابنتها قبيل زفافها، إذ قالت: (أيّ بنية، إنك فارقت العش الذي درجت فيه إلى بيت لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فاحفظي له خصال يكن لك ذخراً وذكراً، فأما الأولى والثانية فالصحبة له بالقناعة والمعاشرة بالطَّاعة، وأمَّا الثالثة والرَّابعة فالتعهد لموقع عينيه والتفقد لموضع أنفه فلا تقع عيناه منك على قبيح ولا يشم منك إلاَّ أطيب الرِّيح، وأمَّا الخامسة والسادسة، فالتفقد لموضع طعامه والهدوء عند منامه، فإنَّ حرارة الجوع ملهبة وتنغيص النَّوم مغضبة، أمَّا السَّابعة والثامنة؛ فالاحتفاظ بماله ورعاية حشمه وعياله، لأنَّ الاحتفاظ بالمال من حسن الخلال ومراعاة الحشم والعيال من الإعظام والإجلال).
آمل أن أجهِّزها بفقه السيِّدة خديجة لتكون زوجة تعين على نوائب الدَّهر فتحصن زوجها وتزمّله وتدثره إذا ما اجتاحه المرض أو الخوف أو الفاقة.
أمَّا زوجها فآمل بإذن الله أن يمهرها بحفظ القرآن وصلاة الجماعة والعلم وخدمة الناس وحسن الخلق وبرّ والديه، آمل أن يكون من الذين ربتهم أمهاتهم بنفسية العزة والشجاعة؛ كأم الخليفة محمَّد الفاتح ظلت تزرع فيه منذ صغره أنَّه الفاتح فلمَّا شبَّ فتح القسطنطينية أعتى حصون روما محقّقاً حلمه وحلم أمِّه وحلم المسلمين.
لن أطلب منه شبكة من الذَّهب الأصفر أو الأبيض أو الألماس، أريده أن يشتريها لفاطمة من نفسه حبّاً وتقديراً لا طلباً وفرضاً وحسب وعند استطاعته، أريده أن يمهرها بحسن العشرة وطيب المعاملة وحلو الكلمة، آمل أن يكون في خدمة بيته وأن لا يستكبر عن الاعتذار إذا أخطأ في حق فاطمة كما آمل من فاطمة أن لا تكتحل عينيها بنوم إذا أغضبته حتى ترضيه، آمل أن تزيد به عائلتنا لا أن ينقصنا ابنتنا بزواجه منها كما آمل من فاطمة أن تصبح ابنة لأهل زوجها كما هي ابنة أهلها.
آمل أن يأتيني بعد زواجهما ليقول لي: (جزاك الله خيراً يا خالتي على فاطمة)، فأضمهما وأشكر المنعم المتفضل أن استخدمني وأعانني وشرفني بتربية هذه الصَّغيرة التي ترون في الصُّورة، والتي بلغت الآن (سن الصلاة)..
هذا جهازي لفاطمة بعون الله، وهذا مهرها، وأدعو الله أن يكون له طلاّب ومستحقون..