بقلم: الدكتور محمد موسى الشريف
ترمي إلينا الأنباء من ليبيا أحداثاً تُدِرُّ شؤون العين، وتمزق القلوب، فهذا النظام الغاشم الطاغية الذي دمّر البلاد وأذلّ العباد لم يكتف بثلاث وأربعين سنة من الحكم الجائر والكفر الظاهر، بل تعدَّى ذلك إلى مواجهة العُزّل من إخواننا في ليبيا في مظاهراتهم السلمية القائمة هناك على قدم وساق، فضربهم بالرَّصاص والقنابل وقتل منهم مئات حتى الآن بلا رحمة ولا شفقة، والجرحى آلاف مؤلفة، وإنَّا لله وإنا إليه راجعون.
والنظام الليبي لم يعتبر بما جرى في تونس ومصر، وصمّ آذانه عن المطالبات الكثيرة له بالإصلاح والاستماع لمطالب شعبه ، لكن يا أهلنا في ليبيا صبراً جميلاً ما أقرب الفرجا، والفجر قادم، وضياء الحرية والكرامة سيعم أرضكم إن شاء الله تعالى، وساعتئذ سيفرّ الطاغية كما فَرّ طاغيتا مصر وتونس، وسيُرمى في مزبلة التاريخ، وينقلع من البلاد يلعنه الله ويلعنه اللاعنون.
والمطلوب منكم إخواني وأخواتي في ليبيا هو الآتي :
1. الصبر على ما يصيبكم فإنه قليل بجنب ما ينتظركم من نصر وتحرر من الطغيان، ولا تنسوا قول الله تعالى: {ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) وَيُدْخِلُهُمُ الجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ}.
2. الاعتبار بما جرى في مصر وتونس، فإنه لم يكن أحد يرجو أن ينتصر الشعبان هناك فأتى الله بنيان الظالمين من القواعد وخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، وأركان النظامين الآن بين هارب ومسجون وملاحق، والحمد لله ربّ العالمين، وأنتم لستم عن شعب مصر وتونس ببعيد، فأحوالكم قريبة من أحوالهم، وعسى أن يحقق الله لكم النصر والتمكين.
3. الاقتراب من الله تعالى بالدعاء في الأوقات الفاضلة؛ في السحر وعند إفطار الصائم ونزول المطر وغير ذلك، والله تعالى المسؤول أن ينصركم ويهلك عدوكم، والله يحب من عبيده الانكسار والتضرع إذا وقع البلاء.
4. الرِّضى بقضاء الله تعالى بعد أن تقدموا كل ما عندكم، إذ ليس بلازم أن يتكرر ما حدث في مصر وتونس -وإن كان هذا أمنية لنا جميعاً- فالله تعالى يقضي ما شاء ويقدِّر ما يريد لا راد لقضائه، ولا دافع لقدره سبحانه وتعالى، فإن لم يحدث ما تتمنوه قريباً فسيكون ولو بعد حين بإذن الله تعالى {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
5. عدم الجنوح إلى الحرق والتدمير، أو اللعن والشتم، ولتكن مظاهراتكم سلمية وسليمة شرعاً حتى تنالوا الأجر من الله تعالى سواء انتصرتم الآن أم في المستقبل القريب.
أمَّا أنتم يا أعوان القذافي، فإيَّاكم والتورّط معه، واعتبروا بما جرى لأعوان الطاغية في مصر وتونس، فسارعوا للتبرؤ منه، ولا تقبلوا أبداً أن تقتلوا إخوانكم وأخواتكم، فالدم عزيز، وهو عند الله شيء عظيم، ولن ينفعكم القذَّافي في ذلك اليوم العظيم بل سيتبرأ منكم وتتبرأون منه، واذكروا قوله تعالى: {إذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ}.
ـ وأمَّا أنتم أيها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، فاجتهدوا في نصرة إخوانكم في ليبيا بقدر استطاعتكم : بالمال، والدّعاء، والكتابة في مظالمهم، ونشر جرائم عدوهم الجاثم على صدورهم، والله المستعان.
وأبشروا وأمِّلوا فهاهي عروش الظالمين تسقط الواحد تلو الآخر، وها هم الطغاة الذين جثموا على صدركم ينقلعون تباعاً، وقد اقترب الفرج والنصر جداً، فاللَّهمَّ لك الحمد، فكونوا جنوداً لهذا النصر القادم، وابتعدوا عن الحرام، وأحسنوا علاقتكم بالله يعجل لكم النصر ويقرب إليكم التمكين إن شاء الله، والحمد لله ربّ العالمين.
المصدر : موقع التاريخ
