الرُّسل أولو العزم .. القدوة في الصَّبر

الرئيسية » بصائر التوحيد » الرُّسل أولو العزم .. القدوة في الصَّبر
alt

لقد أخذ الله سبحانه الميثاق من الأنبياء جميعهم عهدًا مؤكّدًا بتبليغ الرِّسالة وأداء الأمانة، والصَّبر وتحمّل أذى أقوامهم في سبيل نشر الرِّسالة، وخصَّ بالذكر خمسة منهم، فقال الله تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا}.[الأحزاب:7].

وفي الآية تقديم ذكر الرَّسول الله صلَّى الله عليه وسلّم على الأنبياء، والسبب كما يقول الإمام النَّسفي صاحب التفسير: (لأنَّ هذا العطف لبيان فضيلة هؤلاء؛ لأنَّهم أولو العزم، وأصحاب الشرائع ، فلمَّا كان نبيّنا محمَّد صلَّى الله عليه وسلّم أفضل هؤلاء قُدّم عليهم، ولولا ذلك لقدّم مَن قدمه زمانه).

وهؤلاء الأنبياء المذكورون هم على الأرجح أولو العزم من الرّسل؛ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمَّد عليهم السَّلام؛ ثلَّة من الأنبياء أوصى الله تعالى خاتمَ الأنبياء بالاقتداء بهم في خلق جامع، هو عنوان أولو العزم من الرُّسل، وكفيل بتحقيق الخلافة والنَّصر والتمكين في الأرض، فذكَّره بقوله: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ}.[الأحقاف:35].

فأذى المشركين واليهود والمنافقين، بالإرجاف والتكذيب والتعذيب، في مكَّة والمدينة لا يحتمله إلاَّ الأقوياء أولو العزم، الصَّابرون المتقون، قال الله تعالى: { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}[آل عمران:186] .
و{عزم الأمور} من إضافة الصّفة إلى الموصوف أي: الأمور العَزم، ووصفَ الأمور، وهو جمع بعزم، وهو مفرد لأنّ أصل (عزم) أنَّه مصدر فيلزم لفظه حالة واحدة، وهو هنا مصدر بمعنى المفعول، أي من الأمور المعزوم عليها. والعزم إمضاء الرَّأي وعدم التردّد بعد تبيين السَّداد.

إنَّ أولي العزم من الرُّسل قدَّموا لنا المثل الأعلى في الصَّبر والتحمّل على الابتلاء والمحن، فحوَّلوا المحن إلى منح، والابتلاءات إلى انتصارات ...
نوح عليه السَّلام، صبر على أذى قومه؛ كانوا يضربونه حتَّى يغشى عليه، وقد مكث فيهم ألف سنة إلاَّ خمسين عاماً داعياً ناصحاً صابراً محتسباً، ولم تكن تهمّه النتائج..  { وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } [هود:40[.

وإبراهيم عليه السَّلام عرض على النَّار، فصبر واحتسب، فأنجاه الله تعالى: { قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}.[الأنبياء:69].

وموسى عليه السَّلام قال له قومه : { إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} ، قال : { كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }.[الشعراء: 61-62].

وعيسى عليه السَّلام كان زاهداً في الدُّنيا، لم يضع فيها لبنة على لبنة، وقال : إنّها معبرٌ، فاعبرُوها، ولا تعمروها.

وخاتم النّبيِّين محمَّد صلَّى الله عليه وسلِّم، حيث جمع الخصال كلِّها، كان صابراً على أذى قومه كصبر نوح عليه السَّلام، صادقاً كصدق إبراهيم عليه السّلام، واثقاً بنصرة مولاه مثل ثقة موسى عليه السَّلام،زاهداً في الدُّنيا مثل زهد عيسى عليه السَّلام.
وفي حياتنا اليوم نقتبس من سيرة أولي العزم من الرّسل عليهم السَّلام، إذ في صبرهم على المحن والابتلاءات عبرة لنا وعظة ودرس، قال الله تعالى:{ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}.[يوسف:111]. 

نتعلَّم من أولي العزم الصَّبر على ما يعترضنا في طريقنا من الإيذاء النفسي والجسدي، لأّنَّه طريق محفوف بالمكاره  والمحن...

نستلهم منهم معاني القرب والشعور بمعيَّة الله سبحانه، فننطلق في هذا الكون واثقين ثابتين، فمن كان الله معه لن تخيفه أو ترهبه  قوى الأرض كلّها...

نقتدي بسيرة أولي العزم في إيمانهم بأنَّ الدنيا مزرعة الآخرة، ونقتفي أثرهم في الزهد والبعد عن كل ما يعكِّر صفو الإيمان والتقوى.
من أولي العزم نستقي أنَّ الزَّمن جزء من العلاج، وأنَّ العبرة بالعمل والإخلاص فيه، ولا نتطَّلع إلى النتائج، فهذه يحكمها الله سبحانه، وله فيها الشأن كلّه عزَّ وجل.

إنَّ تحقيق النَّصر الذي  تتطَّلع إليه الأمَّة الإسلامية اليوم، طريقه الصبر كما صبر أولو العزم من الرَّسل عليهم السَّلام، وقد ربطه خاتم الأنبياء صلَّى الله عليه وسلّم بالصَّبر، فقال في الحديث الصَّحيح: ((النَّصر مع الصَّبر))، فإنْ شهدنا أفراح النَّصر في حياتنا، فالحمد لله  على نعمائه، وإن لم يتحقّق النَّصر، فإننا نردِّد  وصيته عليه الصَّلاة والسلام: ((صبراً آل ياسر، فإنَّ موعدكم الجنَّة))... فهي الحياة إذن .. نصر أو استشهاد ..

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

نِعْمَ العبدُ .. إنَّه أوَّاب

قال الرَّاغب في مفردات ألفاظ القرآن : (الأوبُ ضربٌ من الرُّجوع، وذلك أنَّ الأوب لا …