الحب عند الشباب .. حقٌّ يحتاج للتهذيب

الرئيسية » بصائر للأسرة والمرأة » الحب عند الشباب .. حقٌّ يحتاج للتهذيب

ترشدنا كتب التربية وعلم النفس إلى كيفية التعامل مع أسئلة الأطفال المحرجة دينياً واجتماعياً، كشاكلة: أين الله؟ ولماذا لا نراه؟، وكيف وُلدت ومن أتيت؟
وتتراوح طرق الإجابة بين التوضيح المبسط، أو التعنيف على السؤال، أو الإنكار، أو السكوت، وهي من أحسنها إلى أسوأها تنفع في تسكيت الأطفال أو إقناعهم، إذ لا تجربة ولا خبرة ولا آراء شخصية أو شخصيات مستقلة لديهم تجعلهم يرفضون ما يُقال لهم.
أمَّا التعامل مع الشباب بنفس منطق التبسيط أو التجاهل أو العسف، فهو ما أوجد الفجوة بين الأمهات والآباء وأولادهم الشباب، وهو ما جعل الشباب ينعتون كبارهم بالعقليات المتحجرة والتشدد و"الدقة القديمة"، ومن بين المواضيع الشائكة التي نحجم بأجيالنا المختلفة عن الخوض فيها موضوع الحب، بالرَّغم أنَّ كلَّ المؤثرات الخارجية التي يتعرَّض لها الشباب اليوم تعظم من شأن العاطفة والغريزة والقلب والشهوات والجسد فوق أي اعتبارات حياتية أخرى، ومن يهتمون قليلا برأي الدين والعادات والثقافة يبررون أن الحب ليس حراماً في الإسلام، وهذا ممَّا لا خلاف على صحته، ولكن ليس على إطلاقه وبدون قيود تكفل حفظه طاهراً ينتسب إلى الحب الأعظم بمحبَّة الله، وما تمليه هذه المحبة من حقوق وواجبات ومسؤولية، وليس هذا موقف الإسلام فحسب، بل جميع الحضارات الإنسانية تجد في المبالغة في الحب دون ترخيص حمقاً وسفاهة، فنجد أفلاطون يقول: (العشق حركة النفس الفارغة)، بينما يقول أرسطو: (العشق عمى الحس عن إدراك العيوب، وهو جهل عارض صادف قلبا فارغا لا شغل له من تجارة ولا صناعة ولا علم).
ونجد الشابات يبررن حسن النوايا لدى الشباب، وأنَّ هذه العلاقات بريئة طاهرة لا يشوبها شائبة سوء أو تجاوز سوى تبادل للمشاعر الرقيقة ومقصدها إلى الزواج، ولنفترض أنَّ هذا صحيح، وأنَّ ليس كلّ الشباب يرتبطون بعلاقات لريبة في نفوسهم أو سلوكهم، وقد يكون قصدهم شريف، ولكن هل نضمن تحوّل الأيام وتحوّل القلوب؟
وكم من فتيات ارتبطن عاطفيا بشباب، ولم يُكتب لحبّهم أن يكتمل بالزَّواج بسبب صعوبات المجتمع، أو رفض الأهل، أو الأحوال المادية، فماذا كانت النتائج؟!
ألا تترك هذه التجارب الفاشلة شرخاً في النفس والقلب يطول علاجه؟!
لقد أراد الله الخالق العليم أن تبقى قلوبنا صافية من الكدر والهم والغم وكسر الخاطر والنفس، لقد أراد سبحانه أن يبقى قلب الأنثى كالجوهرة لا يستحقها إلاَّ صاحب النصيب والفضل، فتكون التجربة الأولى والأخيرة، ويكون للحب طعمه وكأنَّه لم يُوجد إلا ليكون بينها وبين زوجها دون سابق مقارنات وحسرات على حب رومانسي ماضِ جاد به شاب حالم خال من الهموم والمسؤوليات يأخذ مصروف جيبه من ولي أمره لا يشغله شيء سوى وصف الحبيبة والجلوس تحت الأشجار والتنزه بين الورود.
وكذلك الأمر للشاب أراد الله لقلبه أن لا يشرّق ويغرّب في ملاعب الحسن والشهوة حتَّى إذا ما جاء النصيب رأى زوجته أجمل النساء وأودهن وأكفأهن دون حسرة على ما لم يطله في سالف الزمان أو تطلع إلى قادم يعصف بحياته واستقرارها، وعلى عكس ما أُثر من مجمل أشعار العرب وقصص المحبين، فإنَّ المحبَّة حتى في زمانهم كانت تعف عن فعل المنكر، وما كان من تعريض الشعراء سوى الكلام، فقد قيل لبثينة في مرض جميل: هذا جميل لما به فهل عندك من حيلة تنفسين بها عنه؟ فقالت: ما عندي أكثر من البكاء إلى أن ألقاه في الدار الآخرة، أو زيارته، وهو ميت تحت الثرى، وقيل لعتبة بعد موت عاشقها: ما كان يضرك لو أمتعتيه بوجهك؟ قالت: منعني من ذلك خوف العار، وشماتة الجار، ومخافة الجبار، وإن بقلبي أضعاف ما بقلبه غير أنّي أجد ستره أبقى للمودة، وأحمد للعاقبة، وأطوع للرب، وأخف للذنب، هذا مع افتراض حسن النوايا لدى الشباب، فكيف إذا كان الخوض في مستنقع العلاقات تسلية وقضاء للوطر وتلاعبا بالفتيات دون تحمل للتبعات؟ أما الشبوبيّة وإثبات الرجولة فمختبرها الحق في حفظ الأعراض والترفع عن اللذات، وفي هذا قال الإمام أحمد: الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى، بحاجة نحن إلى فتح حوار صريح في المواضيع الشائكة مع شبابنا لتبادل الخبرات ووجهات النظر، للوقوف على مشاكلهم ومحاولة فهمهم، لا مجرّد الإصغاء بإذن صماء وقلب أعمى يرى في زمان الآباء الطريق الوحيد الواجب الاتباع، إذا لم يستمع الآباء والأمهات والمربون إلى أولادهم فسيجدون من يبثونه شكواهم وهمومهم من غير ذوي الأهلية الدينية والأخلاقية فيكون ما لا يُحمد عقباه.
لا ننكر الحب عليكم أيّها الشباب، فقد كنا شباباً مثلكم يوما ما، ولكن لا تنكروا علينا حرصنا عليكم وأننا نراكم الثروة الأعظم في مجتمعاتنا، لا تنكروا علينا أننا نريد لكم حبّاً عفيفاً يسلك دروبا واضحة وطرقاً شرعية بلا مواربة ولا اختفاء في الأزقة المظلمة عن الأعين، الحب الذي ينشأ ويكبر ويكتمل في النور، مُباركاً في ذاته، مُباركا من النَّاس وربِّ النَّاس.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

alt

إقرار أول قانون للحماية من العنف المنزلي في السعودية

قال مسؤول في مجال حقوق الإنسان إن السعودية أقرت قانونا مهماً يهدف إلى حماية النساء …