حسنُ الخلق .. زينة المسلم الصَّادق

الرئيسية » خواطر تربوية » حسنُ الخلق .. زينة المسلم الصَّادق
alt

إنَّ من ميّزات شريعتنا الغرَّاء أنَّها لم تقتصر على ضبط علاقات الأفراد في المجتمع من الناحية المادية فقط، فالتشريع الإسلامي لم ينحصر في المعاملات أو العبادات والشعائر، بل تناول القيم الرُّوحية والأنماط السلوكية للأفراد، فنجده يهذِّب جوانب النفس، وفي الوقت نفسه يجعلها مشرقة بنور الإسلام لتحقّق التكامل المنشود بين الباطن والظاهر، وبالتَّالي يصبح المؤمن صاحب إيمان حقيقي، وليس إيماناً صوريّاً أو نفاقاً دينياً أو اجتماعياً.

وذلك لأنَّ إصلاحَ الباطن يقود إلى إصلاح الظاهر، فالنفس منشأ التغيير ومنطلقه، ولا تتجمل هذه النفس إلاَّ بالأخلاق الحميدة، والتي حثَّ عليها الإسلام ورغّب بها، بل ورتب عليها الأجر الكبير عند الله عزّ وجل.

إنَّ المسلم حينما يستقرئ نصوص التشريع الإسلامي، يجد أنَّ القرآن الكريم، والسنة النبوية، زاخرتان بتلك التوجيهات الأخلاقية السامية، والتي جعلت المسلمين يميّزون بين محاسن الأعمال وقبائحها، تماماً كما يصنّفون الجميل من الأشياء والقبيح منها بميزان الفطرة والبداهة.
فصار حسن الخلق، زينة تزيّن ذاك المؤمن العابد، بل صارت تدفعه لزيادة الطَّاعات، وفي الوقت نفسه ترغِّب الآخرين بالإقبال على الطاعات ممَّا يزيد في الأجر ويعلي في المكانة.
وفي المقابل، نجد أنَّ الإسلام عاب على من لا يوافق دينه خلقه، لأنَّه جعل كمال الإيمان متوقفاً على محاسن الأخلاق، فقال صلى الله عليه وسلم: (( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً)).
ليست الأخلاق محصورة في مكان أو مجال دون آخر، أو مع أشخاص دون غيرهم، فليست الأخلاق حبيسة المساجد أو رهينة للجلسات الإيمانية، بل هي ممارسة سلوكية تمارس مع الجميع في المجالات والأماكن كافة
ولهذا، فمن يقوم بالطَّاعة دون انتباه لما يجملّها من جمال الخلق وحسنه قد خالف أسرار التشريع وروحه في جعل شخصية المسلم شخصية متكاملة من جميع جوانبها وأبعادها.

ومن ناحية أخرى، فليست الأخلاق محصورة في مكان أو مجال دون آخر، أو مع أشخاص دون غيرهم، فليست الأخلاق حبيسة المساجد أو رهينة للجلسات الإيمانية، أو المحاضن التربوية. بل هي ممارسة سلوكية تمارس مع الجميع في المجالات والأماكن كافة، ومع جميع الأشخاص كبيرهم وصغيرهم، ومؤمنهم وكافرهم.

ومن مظاهر سوء فهم فلسفة الأخلاق، أنَّ البعض يظهرها في جميع المواطن، إلاَّ في بيته وبين أفراد عائلته، فتراه يتعامل مع أهل بيته بطريقة تتناقض تماماً مع تلك التي يعامل بها إخوانه ومن يعايشه خارج البيت، وهذا كله مخالف لما ورد عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حينما قال: (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)).

إنَّ الأخلاق كما أسلفنا مطلوبة في الميادين كافة، لأنَّ الإسلام دين شامل، يهتم بالفرد والمجتمع، ويسعى لتجميله وفق بوتقة القيم الربانية التي تلقي بظلالها الوارفة على كل المستويات، وتجعل جميع مكوّنات المجتمع مساعدة على استمرارية حسن الخلق بين الناس، وتحقيق الغاية المنشودة منها.

وعلى خلاف الأنظمة السائدة، والتي تجعل من الأخلاق أمراً بشرياً خاصاً، بحيث تحلّل مساوئ الأخلاق وأقبح الأمور للتوصل للغايات، حتَّى لو تعارضت مع الدِّين أو القيم التي ينادون بها، نجد الإسلام بعيداً عنها ويحاربها ويحذّر منها.
فليس في الإسلام ما يدعو لارتكاب الرَّذائل لتحصيل الحقوق، أو سفك الدّماء البريئة لتحقيق التطوّر الاقتصادي، أو إزهاق الأرواح وإتلاف الأموال للحفاظ على المناصب والكراسي، لأنَّه لا يجعل للغاية مهما سمت  مبرّرة للوسيلة السيّئة الفاسدة، وهذا ما جعل الإسلام ديناً يتميّز أفراده تميّزاً ظاهرياً وجوهرياً.

إنَّ شمولية المعايير في تقرير الإسلام لحسن الخلق، جعل من أصحابه دعاة بسلوكهم قبل أقوالهم، فأصبحوا دعاة مهديين، يقبل الناس على دعوتهم لحسن معاملتهم، ممَّا جعل الإسلام ينتشر في أكثر المناطق ازدحاماً، في أقصى قارة آسيا وجنوبها، وكل ذلك بوسيلة يظنّها البعض سهلة لكن تأثيرها أكبر وأعمق.
إنَّ حسن الخلق، قد يحدث في النفوس أكثر ممَّا تحدثه الكلمات المنتقاة، والعبارات المختارة، وفي الوقت نفسه، فإنَّه حال فقدانه يهدم أواصر المجتمع ويقطع حبال قوته ويفتك بها أكثر من الأسلحة المدمرة الفتاكة؛ لأنَّ النفوس مدار التغيير
إنَّ حسن الخلق، قد يحدث في النفوس أكثر ممَّا تحدثه الكلمات المنتقاة، والعبارات المختارة، وفي الوقت نفسه، فإنَّه حال فقدانه يهدم أواصر المجتمع ويقطع حبال قوته ويفتك بها أكثر من الأسلحة المدمرة الفتاكة؛ لأنَّ النفوس مدار التغيير، ومنصة الرّقي، وفي الوقت نفسه منطلق الوقوع في المهالك والزلات.
ولهذا نجد الشارع الحكيم قد قرَّر أهمية تغيير النفس على تغيير الواقع فقال: {إنَّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}.

إنَّ حسن الخلق مطلوب حتَّى مع المخالف، والمخطئ، بل والكافر. وإنَّ حسن الخلق مطلوب مع إنكار المنكر، لأنَّ الهدف منه التغيير وليس التنفير، ويخطئ البعض حينما يظنوا أنَّهم في بعض التعاملات لا يحتاجون لمحاسن الأخلاق، لأنَّ الأطراف الأخرى لا تستحقها!!

كما أنَّ حسن الخلق صار مطلوباً اليوم بشكل أكبر، خصوصاً في ظل سهولة التواصل، بوسائل الاتصال الحديثة المتطوّرة، التي ولدت لدى البعض (انفصاماً إلكترونياً) في التعامل، بحيث صار البعض تحت مسمّيات أخرى، يظهر ما يناقض محاسن الأخلاق عبر الشتم والانتقاص وغيرها من الصّور المنافية.

إنَّنا اليوم وفي ظل المتغيّرات التي تشهدها الأمَّة، مطالبون بإحداث التغيير في جميع مناحي حياتنا، في أسرنا، وأعمالنا، ومساجدنا، وكل الأماكن؛ لأن الأخلاق عماد النهضة، وروح التقدم والوحدة والتضامن، فبانعدامها تنهار الأمم وتزول الدول، كما حدث مع الكثير منها، وبوجودها تقوى الدول وتزداد تماسكاً، وتتجه نحو التمكين وتحقيق معنى الاستخلاف في ضوء الالتزام بروح التشريع ومقاصده وأحكامه.
قال الشاعر:

إنّما الأممُ الأخلاقُ ما بقيت       فإن همُ ذهبتْ أخلاقهم ذَهبوا

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …