فن الهندسة الأسرية

الرئيسية » خواطر تربوية » فن الهندسة الأسرية
alt
خاص - بصائرقرَّرتُ بناء منزل.. فاتفقت مع مهندس معماري ليقوم بعملية التَّخطيط والرسم لهذا البناء، ثمَّ ما لبث أن أحضر فريق عمل من عمَّال ومقاولين وغيرهم، فشرعوا جميعاً في بناء هذا العش الأسري، فبدؤوا بوضع الأساسات، وعليها تمَّ البناء طوبةً طوبةً بكل رعاية واهتمام، مع غرس الأعمدة وتوزيع الأخشاب وحشو الفراغات ورش الماء.. وما إلى ذلك، ثمَّ الدّيكور الخارجي الذي يَسُرُّ النَّاظرين من دهان وألوان وأشجار وأزهار.. وما شاكل، حتَّى غدا هذا البناء جاهزاً بل وصالحاً للاستخدام فيما صنع له قويّاً متيناً وجميلاً أيضاً.

هذا عن البناء المعماري الجامد، فكيف بالبناء الإنساني!! الذي يُعدّ مهمَّة أصعب وذا أهمية أعظم، لأننا سنتعامل مع مشاعر وأحاسيس وقلوب وعقول.. فعلى المهندس البشري من (أب وأم ومربٍّ ومربية) إتقان فن هذا البناء الإنساني والتخطيط المسبق له، ثم تعهّده بالرِّعاية والاهتمام، ذلك البناء الذي أساسه العقيدة السَّليمة الرَّاسخة، وأعمدته الأخلاق القويمة الرَّاقية، فالدِّين الخلق، وبذلك نكون قد زرعنا في قلوب أبنائنا حديقة غنّاء مزدهرة بحب الله ورسوله مسيَّجة بجدار متين للحماية من الأهواء والفتن والضَّلالات.

هذا ما يجب أن يكون محطّ اهتمام الأبوين، فبعد أن تمَّ اختيار الزَّوجين كلّ منهما للآخر وفق معايير إسلامية، كما وجَّهنا ديننا الحنيف لذلك، بدأت المهمَّة الأصعب والأخطر والأمتع في الوقت نفسه، وهي تربية الأبناء؛ أي بناء الإنسان من الدَّاخل والخارج، وكما ذكر الإمام الغزالي أنَّ (الصَّبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كلِّ نقش وصورة، وهو قابل لكلّ ما نقش، ومائل إلى كل ما يُمال به إليه، إن كان خيراً فخير وإن كان شراً فشر).

فانتبهوا إخوتنا الأحبَّة إلى هذا الأمر فكما تزرع ستحصد.. فليس من المعقول أن تزرع شجرة تفاح ثمَّ تحصد بصلاً!!.
فعليكم أن تعلموا أنَّ التَّربية للأبناء أمانة قبل أن تكون واجباً شرعياً وأخلاقياً، فكما جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلّم يقول: ((كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته..)) رواه البخاري ومسلم.
وعلينا جميعاً أن نفهم أنَّ التَّربية ليست رعاية للجسد واحتياجاته وتحقيق رغباته من مأكل ومشرب وملبس مع تناسي رغبات النَّفس والروح والعقل، فهي أعمّ وأشمل ولها أبعاد مثالية ترقى بفكر وقلوب الأبناء ومشاعرهم وأحاسيسهم، وحاضرهم ومستقبلهم، ومجتمعهم وبيئتهم، بما يمنح العلاقة بين الآباء والأبناء رونقاً يشعرك بسمو هذه المهمَّة وجمالها، فأنتَ أيّها الأب المربي وأنتِ أيتها الأم المربية أمام مسؤولية أعظم من أن تكون واجباً من واجبات الرِّعاية الجسدية فقط بل –كما ذكرنا– هي بناء للإنسان بحيث يكون قمَّة تربوية ونبضاً إيمانياً، وإشعاعاً فكرياً، يشع نوره داخل قلبه وبين النَّاس في أسرته ومجتمعه.

وممَّا يساعد على نجاح هذه المهمَّة العظيمة هو الاتفاق المسبق بين الزَّوجين على منهجية بناء الأسرة من أساليب تربوية في كيفية التعامل مع الأبناء، بل وفي كيفية تعامل الزوجين مع بعضهما البعض، وبالأخص أمام الأبناء وفق المنهج النبوي الشريف لتأسيس بيتٍ مثالي، يكون بيئة جاذبة وليس بيئة طاردة.

لا يَجذب بفخامة بنائه ورفاهية أثاثه، بل بما يشع فيه من حب وود..، بيئة سارة ممتعة ومريحة يشعر الجميع فيها بالأمن والأمان والاستقرار النَّفسي والتَّوازن العاطفي، تُرفض فيها النقائص وتعزِّز الفضائل، هي واحة غنّاء يُحسَن فيها التَّواصل والتراحم وتُدعّم فيها الذَّات..، لا ثكنة عسكرية تكثر فيها الأوامر والنَّواهي، والتَّحذيرات والعقوبات.

هذا هو البيت المسلم الذي عموده الإسلام، وذروة سنامه الأخلاق يتبادل أفراده الثِّقة والاحترام.. تسوده الألفة والرَّحمة وتظلِّله المحبَّة والمودَّة.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

بين صناعة المفكر ونثر الأفكار

"الشيء إذا زاد عن حده انقلب إلى ضده" على بداهة هذه القاعدة وكثرة تردادها، لا …