خاص – بصائر
يهدف الدَّاعية والمربِّي دائماً إلى أن يجذب النَّاس إليه، وأن يلتفون حوله لما رأى من خير وصلاح يريده للنَّاس، ولأنَّ هذه الدعوة إيمانية، ولكي يكون الدَّاعية مؤثراً فيمن حوله، عليه أن يدرك أنَّ أساس هذه الدَّعوة هو حسن الصِّلة بينه وبين الله تعالى، وأنَّ طريق الإصلاح والتأثير في الآخرين يبدأ بالتميّز الإيماني والتفوّق الرُّوحي.
سرُّ التَّأثير
فالدَّاعية المؤثِّر في الآخرين لابدَّ أن يكون عظيمَ الإيمان بالله، شديدَ الخوف منه، صادقَ التوكل عليه، دائمَ المراقبة له، كثيرَ الإنابة إليه، لسانه رطباً بذكر الله، عقله يفكِّر في ملكوت الله، مجتهداً في الطَّاعات، مسابقاً إلى الخيرات، قائماً باللَّيل، صائماً بالنهار، متحريّاً للإخلاص وحسن الظنّ بالله عزَّ وجل، فإن جمعت بعض هذه الأوصاف أو أكثرها، فذلك هو سرّ القَبول الأول، وسرّ التأثير في الآخرين، فقد ورد في الحديث عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: ((إنَّ الله إذا أحبَّ عبداً نادى جبريل، فقال: يا جبريل، إنِّي أحب فلاناً فأحبه، فيحبّه جبريل، ثمَّ ينادي جبريل في أهل السَّماء، إنَّ الله يحب فلاناً فأحبّوه فيحبّه أهل السَّماء، ثم يوضع له القبول في الأرض))، ]رواه البخاري[.
شمسُ الصَّلاح
ملكات الدَّاعية وصفاته الأخرى يكون لها بالفعل تأثيراً في النَّاس، فقوَّة الحجَّة والعقل وفصاحة اللسان لها تأثيرها، وإنّما السّر في التأثير دائماً يكون الإخلاص لله تعالى والعبودية له، والسَّلف الصَّالح لما أخلصوا لله، ولما أخضعوا رقابهم لله، ولمَّا ملئت قلوبهم من خشيه الله، كان سمتهم يذكِّر بالآخرة، وكان رؤية الواحد منهم موعظة مؤثرة، وكان أحدهم ربَّما لا يتكلَّم إلاَّ بالكلمات الوجيزة، فإذا بها تفتح مغاليق القلوب وترد إلى سواء الطريق، وقد سئل الحسن: ما بال أهل الليل على وجوههم نور؟ فقال: (خلوا إلى ربِّهم فألبسهم من نوره).
ولذلك على الدّعاة والمصلحين أن يعلموا أنَّ أساس القبول إنَّما هو في هذا المجال الأساس والركن الركين، ولذلك إن تحقَّق المرء بهذا؛ فإنَّه قد حاز عنوان الفلاح وشمس الصَّلاح، وحاز أيضاً مفتاح النَّجاح؛ لأنَّه تحقّق في معنى العبودية لله عزَّ وجل.
وهي - أي العبودية - جالبة التوفيق، فقد كان النَّبي عليه الصَّلاة والسَّلام يقوم الليل حتَّى تتفطَّر قدماه، فتقول له عائشة رضي الله عنها: لم تفعل هذا، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر؟! فيقول: ((أفلا أكون عبداً شكوراً))، [رواه الشيخان].