إنَّ أساليب مواجهة المخطئين في تصرّفاتهم وأقوالهم كثيرة ومتنوعة، وتختلف حسب طبيعة المخطئ وشخصيته وحجم الخطأ، ولعلَّ في سيرة النبي صلَّى الله عليه وسلّم مواقف مضيئة للمربين وأولي الأمر وهم يواجهون أخطاء من يربُّون ويوجّهون، فمن هذه المواقف ..مواقف..كان النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم إذا بلغه عن الرَّجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول: ((ما بال أقوام يقولون كذا وكذا)). (سنن أبي داود).
وذات مرة أرادت عائِشة رضي الله عنها شراء جارية اسمها بريرة، رفض أهلها بيعها إلاَّ بشرط أن يكُون الولاءُ لهم، فلمَّا علم النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم قام فِي النّاسِ، فحمِد اللّه وأثنى عليهِ، ثُمّ قال: ((ما بالُ رِجالٍ يشترِطُون شُرُوطًا ليست فِي كِتابِ اللّهِ، ما كان مِن شرطٍ ليس فِي كِتابِ اللّهِ فهُو باطِلٌ، وإِن كان مِائة شرطٍ، قضاءُ اللّهِ أحقُّ، وشرطُ اللّهِ أوثقُ، وإِنّما الولاءُ لِمن أعتق)). (رواه البخاري).
وعن عائِشة رضي الله عنها قالت: ((رخَّص رسول الله صلَّى الله عليه وسلم في أمر فتنزَّه عنه ناسٌ من النَّاس، فبلغ ذلك النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، فغضب حتَّى بان الغضب في وجهه، ثم قال: ما بال أقوام يرغبون عمَّا رخص لي فيه، فوالله، لأنا أعلمهم بالله وأشدّهم له خشية)). (صحيح مسلم).
فوائد تربوية ..
إنَّ الأمثلة على هذا الأسلوب النَّبوي في معالجة الخطأ وتصحيح مواقف وأقوال النَّاس كثيرة، لكنَّها كلها تُجمع في أغلبها على عدم فضح صاحب الخطأ، وذلك أنَّ أسلوب التّعريض بالمخطئ، وعدم مواجهته له فوائد منها:
- تجنّب ردّ الفعل السلبي للمخطئ، وإبعاده عن تزيين الشَّيطان له بالانتقام الشَّخصي والانتصار للنفس.
- أنَّه أكثر قبولاً وتأثيراً في النَّفس.
- أنَّه أستر للمخطئ بين النَّاس.
- أنَّه ربَّما يتغيّر حال المخطئ، فلا يستحق الحكم الذي يحكم عليه في الوقت الحاضر، لأنَّ القلوب بيد الله تعالى.
- ازدياد منزلة النَّاصح وزيادة المحبَّة له.
محاذير ..
إنّ هذا الأسلوب النبوي يكون ناجحاً وذا فائدة مرجوّة إذا كان أمر المخطئ مستوراً لا يعرفه أكثر النَّاس، أمَّا إذا كان أكثر الحاضرين يعرفونه، وهو يعلم بذلك، فإنَّ الأسلوب حينئذٍ قد يكون أسلوب تقريع وتوبيخ وفضح بالغ السُّوء والمضايقة للمخطئ، بل إنَّه ربَّما يتمنى لو أنَّه ووجه بخطئه، ولم يُستعمل معه ذلك الأسلوب.