وحدة الهدف .. أول طرق نجاح الثورات (1- 3)

الرئيسية » بصائر تربوية » وحدة الهدف .. أول طرق نجاح الثورات (1- 3)

جاءت الثورة المصرية التي أطاحت بنظام الرَّئيس المخلوع محمد حسني مبارك، لتفتح آفاقاً جديدة  في العملية التربوية، فليس النَّجاح لدى المصريين والعرب تمثل فقط في الجانب السياسي المتمثل في إسقاط النّظام، ولكنَّه في المكتسبات التربوية التي خرج بها الجميع بعد 18 يوماً من الثورة التي كانت الشَّاهد عليها ميدان التحرير، ما دفع ملايين المصريين إلى تذكير كلّ منهم الآخر أن يتخلَّق دائماً بأخلاق التَّحرير في حدوث أي خلاف.

وحدة الهدف

نجحت الثورة المصرية رغم عدم وجود قائد لها، وهو ما كان يدفع الكثيرين للسّؤال عن مفجّر الثورة؟ ومن استطاع أن يمر بها إلى برّ السَّلام؟ ولكنَّ الثورة المصرية حقيقة متفرّدة في كل شيء، فقد قيل عنها: إنَّها ثورة قادها أهدافها، والشيء الوحيد الذي اقتنع به الثوّار المصريون لكي تنجح الثورة هو وحدة الهدف.
لامطالب فئوية، ولا شعارات خاصة، ولا تميّز ولا اختلاف، وإنَّما تقود الثورة أهدافها المتمثلة في مطلب الحرية، والعدالة الاجتماعية، والقضاء على الفساد المستشرى في البلاد، والذي تسبب في انهيار مصر، وانحسار دورها في العالم، وأصبحت دولة تعمل لحساب آخرين، ولذلك اجتمع المصريون على هدف واحد لم يستطع وقتها أي فئة أو شخص أن يوقف المارد المصري المتمثل في الشعب عن تحقيق هدفه، والقانون البشري يقول: (إنَّ سرَّ النَّجاح في هذه الحياة هو وحدة الهدف، الذي يركّز الإنسان بكل نشاطه من أجل تحقيقه)، كما يقول أحدُ الشعراء:

تأبى العصي إذا اجتمعن تفرّقاً                وإذا افترقن تكسرت آحاداً

الوحدة منهج قرآني

والوحدة منهج قرآني، فلقد دعانا الله تعالى إلى عدم التفرق والاعتصام بالوحدة، يقول تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون}، [آل عمران:103]، والجميع يعلم القصة الرّمزية التي عنوانها "أكلت يوم أكل الثور الأبيض"، وهي تدل على الخطر من الفرقة، وأنَّ وحدة الهدف كفيلة للنجاح.

والوحدة في القرآن تدعو إلى الاعتصام بالله عزَّ وجل، والالتزام بما أمر الله به، واجتناب ما نهى عنه، وهذا يقتضي تقوية حصون الأمّة من الدَّاخل، من خلال العمل على التماسك الأسري، وضمان فاعلية المؤسسات التربوية والتعليمية، وتقويتها يما يعزِّز الانتماء للوطن وللأمّة.

كما يحذّر المنهج القرآني من أسباب التفرّق والاختلاف، وهي متعدّدة، ويقف في طليعتها احتقار الآخرين والتطاول عليهم، واستخدام العنف اللَّفظي في التعامل معهم، في حين أن الواجب يقتضي أن يبسط الجميع أيديهم للآخرين للتعاون، حتى وإن وجد بعض الاختلاف في الرأي والاجتهاد، فالهدف الأسمى حفظ الأمة والوطن، ووحدته تسمو على كل ذلك.

وكان الإمام الشهيد حسن البنا ممَّن حاولوا تحقيق وحدة الهدف بين الإسلاميين وبعض، رغم اختلافهم في بعض الأمور، إلاَّ أنَّه دعا الجميع إلى قاعدة.. "نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، وخاصة إذا كان الهدف واحد، فالجميع يريد أن يصل إلى غاية واحدة، وهي رضا الله تعالى والفوز بجنته والبعد عن النَّار، كما أنَّ الأمر لا يقتصر على الإسلاميين وفقط، ولكن يستطيع الجميع إذا اتفقوا على هدف واحد أن يصلوا به إلى النَّجاح، وهو ما كان في ميدان التحرير، قلب الثورة المصرية، فالجميع تكاتف لهدف واحد وأصر عليه، وتمَّ تنحية الخلافات جانباً، ولذلك نجحت الثورة نجاحاً عظيماً شهد به الجميع، وجعل العالم كلّه يدعو إلى تدريس الثورة المصرية، كنموذج حضاري على إسقاط الأنظمة الدكتاتورية عبر هدف واحد اجتمع عليه الجميع، وهو مصلحة البلاد والعباد.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

صنم الذات: كيف يهدم الرياء ما تبنيه يدك؟

من بين أكثر أمراض القلوب خفاءً وتأثيرًا، يبرز داء حب الظهور، ذاك الذي يجعل من …