الثورات بيئة حاضنة لسمو السُّلوك (2-3)

الرئيسية » بصائر تربوية » الثورات بيئة حاضنة لسمو السُّلوك (2-3)

بعد الحديث عن وحدة الهدف، ودوره في نجاح الثورة المصرية، كان لابد من الحديث عن أحد أهم مكتسبات الثورة، وهو التحضر والرّقي الذي جمع متظاهرين مدَّة 18 يوماً في ميدان واحد، رغم اختلاف توجهاتهم وطبقاتهم الاجتماعية وثقافاتهم وعملهم وتعليمهم.. أطياف مختلفة حقيقة؛ فمنهم من هو من الحَضَر، ومنهم من يحمل الطَّابع الرِّيفي، ومنهم من له عادات وتقاليد مختلفة تماماً، إلاَّ أنَّ الجامعَ بينهم كان هو الارتقاء السُّلوكي الذي تعامل به الجميع داخل ميدان التَّحرير.

كان مشهداً رائعاً أن ترى ذلك النّقاء في التَّعامل، والثّقة المتبادلة، وفضيلة الاعتذار في حالة حدوث أخطاء، والسَّماحة التي يتعامل بها الآخر مع المخطئ والعفو عنه سريعاً، ورغم وجود أعداد بالملايين أحياناً، وفي غياب الشّرطة والأمن، فكان المشهدُ دائماً يغلّفه الحبُّ والتعاون والرّقي والتَّحضر، ومساعدة الكبير والعطف على الصَّغير، وتناقل الخبرات دونما تعصب لفكرة أو أخرى، والجميع يتسامى عن الهفوات والصَّغائر.

الاستبداد وأزمة السُّلوك

قبل الثورة كان الجميع يشعر بأزمة سلوك يمرّ بها الإنسان المصري، فتارة تجد الشَّباب متهمون بالتحرّش وتتعالى صيحات أنَّ هناك سعاراً جنسياً لدى النَّاس، كما أنَّ هناك من اتهم المصريين بالجبن وقلَّة الوَفاء والمُروءة، وسلوكات عديدة زرعها النّظام البائد، لتتبقى في النهاية هي محصلة ما اجتمع عليه الخارج والداخل حول انهيار المنظومة الأخلاقية للمصريين، إلاَّ أنَّ أخلاق ميدان التحرير، وما ظهر من المصريين في ذلك الوقت ليؤكّد أنَّ الأنظمة القمعية هي من تعمل على هدم سلوكيات المجتمع، وهدم روح التَّحاب والألفة بين النَّاس، وهدم قيم التَّعاون والسَّماحة وضياع ثقافة اعتذار المخطئ، إلاَّ أنَّ السُّمو السلوكي الذي شهده ميدان التحرير ليؤكّد أنَّه في مناخ الحريات، وبعيداً عن الأنظمة القمعية تسمو السلوكيات.

ومن ضمن السلوكيات التي كانت في ميدان التحرير هو ذلك ‏ التكافل الاجتماعي الذي عمَّ الميدان من خلال تقديم الوجبات من بعض الأسر للمتظاهرين، في الوقت الذي حرص فيه أصحاب المهن المختلفة على تقديم الإعانات؛ حيث رأينا الأطباء يقيمون مستشفي ميداني، والفنانون يغنُّون للثَّورة‏، فيما شرع أصحابُ الحرف في المساعدة قدر استطاعتهم‏، من خلال توصيلات كهربائية، وأماكن للاحتياجات الأساسية، وأيضاً الخطَّاطين الذين يكتبون للثوار شعاراتهم، وكلّ شخص يستطيع أن يقدِّم شيئاً في الميدان لم يتأخر عن تقديمه.

كمال الإيمان

وتجمَّعت في التَّحرير حقيقة وصايا النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم حول حسن السلوك ومكارم الأخلاق؛ حيث قال صلَّى الله عليه وسلَّم:  ((أكثر ما يدخل النَّاس الجنَّة، تقوى اللّه وحسنُ الخلق))، (صحيح ابن حبَّان وسنن الترمذي).
وتميّز ثوار التَّحرير بما قاله المصطفى من حُسن الخُلق، و طلاقة الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى عن النَّاس، وحسن الحوار، ومداراة الغضب، واحتمال الأذى، والجميع اتصف بكمال الإيمان، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً))، (مسند الإمام أحمد)، وجمع ثوار التَّحرير حقيقة علامات حسن الخلق؛ وهي كثرة الحياء وقلَّة الأذى، وكثرة الصَّلاح وصدق اللِّسان، وكثير العمل وقليل الزّلل، وعدم الفضول، والصَّبر، والاحترام المتبادل، والعفَّة، والشَّفقة، وحبّ الأوطان.

لقد علمت أخلاقيات الميدان الثوار التحلّي بالصِّفات الحسنة، والبعد عن الحقد والكراهية، وبذاءة اللسان، وعدم العدل، والسّمو السّلوكي حقيقة كان دافعاً للنَّجاح.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

التربية بين فوضى العادات وعدل تعاليم الإسلام

يحتار الآباء والأمهات في توجيه الأبناء كثيرًا في زمننا المعاصر؛ بالذات أولئك الذين يعيشون مع …