ولم أجد الإنسان إلاَّ ابنَ سعيه فمن كان أسعى كان بالمجد أجدرا
وبالهمَّة العليا ترقى إلى العُلى فمن كان أعلى هـمَّة كان أظهرا
فالعامَّة تقول: قيمة كلِّ امرئ ما يحسن.. والخاصة تقول: قيمة كلّ امرئ ما يطلب.. نعم فقيمةُ المرء همَّته ومطلبه.
فأول نبضات الهمَّة: همَّة تصون القلب عن وحشة الفاني وتحمله على الرَّغبة في الباقي وتصفيه من كدر الثَّواني.
قال عليه الصَّلاة والسَّلام: ((ومن كانت الدّنيا همَّه، جعل الله فقره في عينيه وفرق شمله ولم يأت من الدنيا إلا ما قدر له))، رواه الترمذي.
فالهمَّة هي الباعث على الفعل، وتوصف بعلو أو سفول، فمن النَّاس من تكون همَّته عالية علو السَّماء، ومنهم من تكون همَّته قاصرة دنيئة تهبط به إلى أسوأ الدرجات.
فقد شاءت إرادة الله أن تكون الحياة مليئة بالمشقات والصِّعاب، وكان أصحاب الدَّعوات إلى شرع الله فيمن يعانون أكثر من صعوبات وابتلاءات في هذه الحياة الدنيا، لأنَّهم يواجهون الطُّغاة ويدعون إلى تحكيم شرع الله، لذا فقد كانت الدَّاعية المسلمة في حاجة كي تثبت على هذا الطَّريق إلى همَّة عالية وعزيمة صادقة.
ولقد حثَّ القرآن الكريم على الهمَّة العالية، ودعا المسلمين إلى التنافس في الخيرات فقال عزَّ وجل: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ}، [البقرة:148]، وقال تعالى: {سابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ}، [الحديد:21]، وغيرها الكثير من الآيات الدَّالة على ضرورة أن يكون المسلم والمسلمة أصحاب همَّة عالية.
فعندما تعيشين تفكرين في نفسك فقط ستعيشين صغيرةً، ولكن عندما تعيشين تفكرين في نفسك وغيرك ستعيشين عظيمةً، فالمسلمة تحمل رسالة عالمية، فهي ليست إنسانة عادية، بل هي عالمية، كلَّما وسَّعت دائرة تفكيرها كلّما أثَّرت أكثر، وسمت أكثر.
فمن صدقت نيتها زادت همَّتها؛ وقد كان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم دائم الحث على علوّ الهمَّة والتسابق إلى معالي الأمور فقال: ((إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس....)).
وقال الفاروق: لا تصغرن همتك، فإنِّي لم أرَ أقعد للرّجل من سقوط همَّته.
وقد قال صاحبُ همَّة: إنَّ مفتاح الفشل هو محاولة إرضاء كلّ شخص تعرفه.
فصاحبة الهمَّة هي من تستصغر ما دون النِّهاية من معالي الأمور، لا تأبه للقاعدين من حولها، بل تنطلق متسلحة بالقرآن وبسنة رسولها الكريم صلوات الله عليه وسلامه، لأنَّها تدرك حقيقة مهمة مفادها: أنَّه لا حياة لها في الدنيا إلاَّ حياة واحدة، فيدفعها هذا الشعور إلى أن تأخذ قراراً حاسماً بأن تعيش حميدة ترضي ربّها وتعمل من أجل دعوتها حتَّى آخر رمق.
وصاحبة الهمَّة لا تعرف الفراغ والغفلة، وهي تترك الرَّاحة، فقد قال الفاروق رضي الله عنه: (الرَّاحة للرِّجال غفلة)، وهي لا ترضى إلاَّ بمعالي الأمور، فإذا حانت لحظة الوداع تراها ترحل عن هتف الدنيا بكل نفس راضية مطمئنة، فقد اجتهدت وحاولت وثابرت، وهي ليست محاسبة على النتيجة، المهم أنَّها عملت وكانت صاحبة همة.
--------------------------------------------
مراجع للاستزادة:
- الإيجابية في حياة الداعية - د. عبد الله يوسف الحسن
- صلاح الأمة في علو الهمة – سيد حسين عفاني
- الهمَّة طريق إلى القمَّة – محمد موسى الشريف