(لقد كنت أشعر برغبة غامضة ملحة لم أستطع أن أغالبها، كأنَّ سائقاً يسوقني إلى الكتابة في هذا الموضوع، ولو استشرت العقل واعتمدت على تجارب المؤلفين، وعلى مقاديرهم ومكانتهم العلمية، لأحجمت ولعدلت عن هذه الفكرة ...).
(وكنت أشعر بخطر الموضوع وأهميته، وبقلة بضاعتي وحداثة سنّي وقلّة أعواني، وجدّة موضوع الكتاب وطرافته، ولكن لم أكن في الحقيقة مخّيراً، بل كنت مسيّراً، كأنَّ هاجساً يهجس في ضميري، ويقول لي: لابدّ من وضع كتاب في هذا الموضوع ...)
إنَّها كلمات خطَّتها يدُ الإمام العلاَّمة أبي الحسن النَّدوي رحمه الله معبِّراً عن قصة تأليفه لكتاب:
(( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟))
ألَّفه سنة 1947م، وكان عمره وقتئذ 33 سنة ، وها هو موقع ((بصائر)) يذكِّركم به بعد 12 سنة من وفاته مؤلفه رحمه الله.
ويستطرد الندوي قائلاً (ولكن الله سبحانه وتعالى ألهمني وشرح صدري لأنْ أكتب في موضوع (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)، كأن المسلمين هم العامل العالمي المؤثر في مجاري الأمور في العالم كله ، ليس في بقعة جغرافية محدودة، أو منطقة سياسية خاصة ، هل المسلمون حقاً في وضع يمكن أن يُقال: إن العالم فقد خسر شيئاً بانحطاطهم...).
مع الكتاب:
تدور فكرة الكتاب حول قضية ذات أهمية كبيرة؛ وهي دور الإسلام في قيادة البشرية جمعاء، والخصائص التي تميَّزت بها الشريعة والحضارة الإسلامية على غيرها من الحضارات لتأخذ بيد العالم إلى النهضة في مجالات الحياة كلِّها.
ويحوي الكتاب خمسة أبواب، وهي :
الباب الأول: العصر الجاهلي: تناول فيه وضع الإنسانية في العصر الجاهلي والنظام السياسي والمالي فيه.
والباب الثاني : تحدَّث فيه عن منهج الأنبياء في الإصلاح والتغيير، ثم عن المجتمع الإسلامي، وكيف حول الرسول خامات الجاهلية إلى عجائب الإنسانية.
وفي الباب الثالث: خصَّصه للحديث عن العصر الإسلامي
أمَّا الباب الرابع: فتناول فيه العصر الأوربي، حيث فضح أوربا المادية والجنسية والوطنية في أوربا، وخلص إلى أنَّ أوروبا تتجه نحو الانتحار.
وفي الباب الأخير، وهو الخامس، تحدَّث عن قيادة الإسلام للعالم، من خلال نهضة العالم الإسلامي وزعامة العالم العربي.
مع المؤلف:
هو عليٌّ أبو الحسنِ بنُ عبد الحي بن فخر الدين الحسني النَّدوي، وُلِدَ بقرية تكيه بمديرية راي بريلي- في الولاية الشمالية -(Uttar Pardash) بالهند في 6/ محرم 1333هـ الموافق عام 1914م.
بدأ تعلُّمَه للقرآن الكريم في البيتِ تُعاوِنُه أمُّه، ثم بدأ في تعلُّم اللغتَينِ الأرديةَ والفارسيةَ.
التحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م، وحضَر دروسَ الحديث الشريف للعلامة المحدِّث المربِّي حيدر حسن خان- وكان قد دَرَسَ كتاب الجهاد من صحيح الإمام مسلم على شيخه خليل الأنصاري- ولازَمَه سنتَيْنِ كاملَتَيِن فقرأ عليه الصحيحين، وسنن أبي داوود، وسنن الترمذي حرفاً حرفاً، وقرأ عليه دروساً في تفسير البيضاوي أيضاً، وقرأ على الشيخ الفقيه المفتي شبلي الجيراجبوري الأعظمي بعض كتب الفقه.
قام برحلة استطلاعية للمراكز الدينيَّة في الهند عام 1939م تعرَّف فيها على الشيخ المربِّي عبد القادر الراي بوري والداعية المصلح الكبير محمد إلياس الكاندهلوي، وبقي على صلة بهما، فتلقَّى التربيةَ الروحيةَ من الأول وتأسَّى بالثاني في القيام بواجبِ الدعوة إصلاح المجتمع، فقضى زمناً في رحلات دعوية متتابعة للتربية والإصلاح والتوجيه الديني على منهجه.
أسَّسَ العديد من المراكز والمؤسسات؛ منها: مركزاً للتعليمات الإسلامية عام 1943م،حركة رسالة الإنسانية عام 1951م، المجمع الإسلامي العلمي في لكهنؤ عام 1959م.
توفي رحمه الله في ذي الحجة عام 1420هـ.
من وصيته : (إنَّ العالم العربي بحرٌ بلا ماءٍ كبحر العَروض حتى يتخذ سيِّدنا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم إماماً وقائداً لحياته وجهاده، وينهض برسالة الإسلام كما نهض في العهد الأوَّل، ويخلـِّص العالَم المظلوم من براثن مجانين أوروبا- الذين يأبون إلاَّ أن يقبروا المدنيَّة وقضوا على الإنسانية القضاء الأخير بأنانيتهم واستكبارهم وجهلهم- ويوجِّه العالم من الانهيار إلى الازدهار، ومن الخراب والدَّمار والفوضى والاضطراب، إلى التقديم والانتظام، والأمن والسَّلام، ومن الكفر والطغيان إلى الطاعة والإيمان).