في الحديث الحسن : ((نضَّر الله امرأً سمع منَّا حديثاً فبلَّغه كما سمعه، فربَّ مبلَّغ أوعى من سامع)). ]صحيح ابن حبَّان ومسند أحمد[.
لقد نضَّر الله وجوه وقلوب الرِّجال الذين بذلوا جهدهم وأوقاتهم وحياتهم لخدمة حديث رسول الله صلًّى الله عليه وسلَّم، بالتأليف والتصنيف، وبالحفظ والتحديث، وبالدِّفاع والصَّون، فكان لهم الأثر البالغ في نشر الحديث النبوي في أصقاع العالم بما ألَّفوه من كتب ومصنَّفات، فمن هؤلاء الإمام محمَّد بن إسماعيل البخاري الذي جمع كتاباً في الأحاديث النبوية، وصفه أهل العلم بأنَّه أصح كتاب بعد القرآن الكريم، لما فيه من الحرص الشديد على انتقاء الصحيح من الحديث النبوي، فمن هو الإمام البخاري ؟
الإمام البخاري في سطور...
هو الإمام محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بَرْدِزْبَه- لفظة بخارية، معناها الزّراع - أبو عبد الله البخاري.
ولد ببخارى في شوال سنة أربع وتسعين ومئة (194هـ).
يقول الإمام البخاري: (ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتَّاب)، فقيل له: وكم أتى عليك إذ ذاك ؟ فقال: (عشر سنين أو أقل).
ويصف رحلاته ولقاءه العلماء والمحدّثين، فيقول: (لقيت أكثر من ألف رجل من أهل الحجاز، والعراق، والشام، ومصر، لقيتهم كَرّات، أهل الشام ومصر والجزيرة مرتين، وأهل البصرة أربع مرات، وبالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت الكوفة وبغداد مع محدثي خراسان).
ويقول: (ما قدمت على أحد إلاَّ كان انتفاعه بي أكثر من انتفاعي به).
وقال: (أحفظ مئة ألف حديث صحيح، وأحفظ مئتي ألف حديث غير صحيح).
وصفه العلماء بأنَّه كان إماماً حافظاً حجَّة رأساً في الفقه والحديث، وقال عنه قتيبة بن سعيد: (جالست الفقهاء والزهاد والعُبَّاد، فما رأيت منذ عقلت مثل محمد بن إسماعيل، وهو في زمانه كعمر في الصَّحابة، وقال أيضاً: (لو كان محمد بن إسماعيل في الصحابة ، لكان آية).
وقال عبد الله بن عبد الرَّحمن الدَّرامي: (قد رأيتُ العلماء بالحرمين والحجاز والشام والعراق، فما رأيت منهم أجمع من محمَّد بن إسماعيل، وقال: هو أعلمنا وأفقهنا وأكثرنا طلباً).
وقال أحمد بن حنبل : (لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل).
وقال له مسلم بن الحجاج : أشهد أنَّه ليس في الدنيا مثلك، وجاء إليه فقبَّله بين عينيه).
هذا، وقد ألَّف العلماء والأئمَّة في سيرته ومناقبه مصنَّفات كثيرة .
توفى البخاري ليلة السبت ليلة الفطر عند صلاة العشاء، ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر سنة 265هـ، وعاش 62 سنة رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
الجامع الصَّحيح ...
اسم الكتاب: سمَّى الإمام البخاري كتابه بـ: (الجامع الصَّحيح المسند المختصر من أمور رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وسننه وأيامه)، ويعرف اختصاراً بـ((صحيح البخاري)).
سبب التأليف: روى إبراهيم بن معقل النَّسفي عن الإمام البخاري، فقال: كنَّا عند إسحاق بن راهويه، فقال: (لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيح سنَّة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم). قال: (فوقع ذلك في قلبي، فأخذت في جمع الجامع الصَّحيح).
يقول الإمام البخاري: (ما وضعت في كتابي ((الصَّحيح)) حديثاً إلاَّ اغتسلت قبل ذلك، وصلَّيت ركعتين). ويقول: (صنَّفت ((الصَّحيح)) في ست عشرة سنة، وجعلته حجَّةً فيما بيني وبين الله تعالى).
بعد أن أتمَّ تـأليفه، عرضه على الإمام أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني وغيرهم، فاستحسنوه، وشهدوا له بالصّحة.
وقد تلقاه العلماء بالقَبول في كلِّ عصر، قال الحافظ الذهبي: هو أجل كتب الإسلام، وأفضلها بعد كتاب الله تعالى.
عدد أحاديثه : قال الشيخ تقي الدين ابنُ الصَّلاح: (عدد أحاديث صحيح البخاري سبعة آلاف ومئتان وخمسة وسبعون بالأحاديث المكرَّرة، وقيل: إنَّها بإسقاط المكرَّر أربعة آلاف).
شروحه : لكتاب الإمام البخاري شروح كثيرة، من أهمّها ما ألَّفه الإمام ابن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852هـ)، وسمَّاه : فتح البخاري في شرح صحيح البخاري)، ولقيمة هذا الكتاب وعلوّ كعب صاحبه علَّق أهل العلم على الكتاب، فقالوا: (لا هجرةَ بعد الفتح)، أي: لا شرح لصحيح البخاري بعد شرح فتح الباري.
ومن الشروح أيضاً، نذكر:
-أعلام السنن أو أعلام الكتب على صحيح البخاري، للإمام حمد بن محمَّد الخطَّابي، المتوفي(388هـ).
-الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري للإمام شمس الدين محمد بن يوسف بن علي الكرماني، المتوفى سنة (786هـ).
-عمدة القاري شرح صحيح البخاري للإمام بدر الدين محمود بن أحمد العيني، المتوفى سنة (855هـ).
-إرشاد السَّاري لشرح صحيح البخاري للحافظ أبي العباس أحمد بن محمد القسطلاني، المتوفى سنة (923هـ).
مراجع للاستزادة :
-سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي.
-قواعد التحديث في مصطلح الحديث للشيخ جمال الدين القاسمي.
-تيسير مصطلح الحديث للدكتور مصطفى الطحان.